للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنه لما كان "رضيتُ ضد سخطتُ، وسخطتُ تعدَّى بعلى، فكذلك "رضيت" حملًا له على ضده؛ فكذلك ههنا: جعل لم أفعل دليلًا على جواب الشرط المحذوف؛ حملًا على فَعَلْتُ.

وحذف جواب الشرط كثير في كلامهم إذا كان في الكلام ما يدل على حذفه، كقولهم: "أنت ظالم إن فعلت كذا" أي: إن فعلت كذا ظلمت، فحذف "ظلمت" لدلالة قوله: "أنت ظالم" عليه، والشواهد على حذف جواب الشرط في كلامهم للدلالة عليه أكثر من أن تحصى، والله أعلم.


يريد إذا امرؤ ولّى عني بوده وجفاني ثم رجع إلى الودّ لم يرجع برجوعه ودي؛ فوضع على موضع عن كما في بيت الشاهد؛ ومن وضع حرف في موضع حرف آخر قول عنترة في معلقته:
بطل كأن ثيابه في سرحة ... يحذى نعال السبت ليس بتوأم
يريد أنه طويل القامة فإذا لبس ثيابه فكأنها نشرت على شجرة مشرفة عالية. فوضع في موضع على، ومن ذلك قول أعرابي من طيّئ:
نلوذ في أم لنا ما تغتصب ... من الغمام ترتدي وتنتقب
أراد بالأم جبلًا من جبال طيّئ؛ وما تغتصب: أي أنها منيعة على من أرادها؛ وقد وضع في موضع الباء في قوله "نلوذ في أم لنا" لأن "لاذ" يتعدّى بالباء.
التخريج الثاني: أن يضمنوا الفعل المذكور في الكلام معنى فعل آخر يتعدّى بالحرف المذكور؛ فيضمنوا "رضي" في قول القحيف معنى عطف أو أقبل؛ وكل من عطف وأقبل يتعدّى بعلى، وهكذا.
والتخريج الثالث: أن يحمل الفعل على ضده؛ فيحمل "رضي" في بيت القحيف على سخط، وسخط يتعدّى بعلى، ويحمل "ولى" في قول الطائي "ولى علي بودّه" على أقبل، وأقبل ضد ولّى، وهكذا.
وليس كل كلام يمكن تخريجه على كل واحد من هذه التخريجات الثلاثة، بل يحمل على ما يمكن منها. وفي هذا ما يكفي أو يغني.

<<  <  ج: ص:  >  >>