حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا؛ فما إن من حديث ولا صالي وقال زيد الفوارس الحصين بن ضرار الضبي: تألّى ابن أوس حلفة ليردّني ... إلى نسوة كأنهن مفائد والوقر -بفتح الواو وسكون القاف- ثقل في الأذن؛ ويقال: هو أن يذهب السمع كله؛ قال الله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} [فصلت: ٥] وقال: {وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت: ٤٤] وقال: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} [الأنعام: ٢٥] وقال: {وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} [لقمان: ٧] ومحل الاستشهاد في هذا البيت هنا قوله "إن كان سمعك غير وقر" فإن الكوفيين زعموا أن "إن" ههنا بمعنى إذ؛ والكلام تعليل لقوله "سمعت حلفتها" فإن المراد عندهم: سمعت حلفتها لأن سمعك سليم غير ذي وقر؛ والذي دعاهم إلى هذا أن الأصل في الشرط أن يكون مستقبلًا؛ لأن القصد تعليق الجواب عليه، وتعليق الشيء لا يكون على شيء مضى؛ لأنه حينئذ لا فائدة في تعليق وجود الجواب عليه؛ وإنما يكون التعليق فيما يأتي من الزمان؛ فلما وجدوا "إن" تدخل على الفعل الماضي قالوا: إنه لا يراد بها التعليق حينئذ، وإنما يراد بها التعليل؛ وخرجوا ما أثره المؤلف من الآيات الكريمة ونحوها على هذا؛ واستدلوا بجملة أبيات منها هذا البيت الذي أنشده المؤلف ههنا؛ ومنها قول الفرزدق؛ وهو من شواهد الرضي في الجوازم وشواهد المغني: أتغضب إن أذنا قتيبة حزتا ... جهارًا؛ ولم تغضب لقتل ابن خازم؟ ومنها قول الآخر: أتجزع إن بان الخليط المودع ... وحبل الصفا من عزّة المتقطع؟ ومما يؤيدهم أنك تجد "إن" -فيما ذكروه من الآيات الكريمة والأبيات- لم يذكر بعدها جواب؛ وأن الآيات قد قرئ في كل منها بكسر همزة "إن" وقرئ بفتحها؛ وكذلك الأبيات التي رووها تروى بكسر الهمز وبفتحها؛ فهذه ثلاثة أشياء: كون الفعل بعدها ماضيًا، وعدم ذكر جواب؛ ورواية فتح الهمزة. وكلها يمنع أن تكون "إن" شرطية. وقد تمحل البصريون في كل واحد من هذه الثلاثة: أما مضي الفعل فزعموا أنه -وإن كان ماضيًا في اللفظ- مستقبل في المعنى؛ لأنه سبب لما أريد التعليق عليه، أو لأن المراد: إن يتبيّن كذا، وأما عدم ذكر الجواب فقد ادّعوا أنه محذوف لدلالة الكلام عليه وهو مراد، وأما فتح الهمزة فقد أنكروا وروده.