أي: إذْ، والشواهد على هذا النحو أكثر من أن تُحْصَى.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: أجمعنا على أن الأصل في "إنْ" أن تكون شرطًا، والأصل في "إذ" أن تكون ظرفًا، والأصل في كل حرف أن يكون دالًّا على ما وضع له في الأصل، فمن تمسك بالأصل فقد تمسك باستصحاب الحال؛ ومَنْ عَدَلَ عن الأصل بقي مرتَهَنًا بإقامة الدليل، ولا دليل لهم يدل على ما ذهبوا إليه.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين. أما احتجاجهم بقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}[البقرة: ٢٣] فلا حجة لهم فيه، لأن "إنْ" فيه شرطية، وقولهم:"إنَّ إنْ الشرطية تفيد معنى الشك" قلنا: وقد تستعملها العرب وإن لم يكن هناك شك، على ما بيّنّا قبل، ومنه قولهم:"إن كنت إنسانًا فأنت تفعل كذا، وإن كنت ابني فَأَطِعْنِي" وإن كان لا يشك في أنه إنسان وأنه ابنه، ومعناه أن مَنْ كان إنسانًا أو ابنًا فهذا حكمه، فخاطبهم الله تعالى على عادة خطابهم فيما بينهم.
وهذا هو الجواب عن جميع ما استشهدوا به من الآيات، إلا قوله تعالى:{لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}[الفتح: ٢٧} فإن الجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أن [٢٦٢] يكون الاستثناء وقع على دخولهم آمنين، والتقدير فيه: لتدخلن المسجد الحرام آمنين إن شاء الله.
والوجه الثاني: أن يكون ذلك على طريق التأديب للعباد ليتأدَّبُوا بذلك، كما قال تعالى:{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أن يَشَاءَ اللَّه}[الكهف: ٢٣، ٢٤] .
وهذا هو الجواب عن قوله صلوات الله عليه:"وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" لأنه لما أدَّبه الحق بقوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أن يَشَاءَ اللَّه}[الكهف: ٢٣، ٢٤] تمسَّك بالأدب، وأحال على المشيئة فقال:"وإنا إن شاء الله بكم لاحقون".
وعلى هذا أيضًا يحمل قول السلف "أنا مؤمن إن شاء الله تعالى"، ويحتمل أيضًا وجهين آخرين:
أحدهما: أن يكونوا قالوا ذلك تركًا لتزكية النفس، لا للشك، كما قال تعالى:{فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}[لنجم: ٣٢] وكما قيل لبعض الحكماء: ما الصدق القبيح؟ فقال: ثَنَاء الرجل على نفسه.