للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الدلالة من هذا البيت هو أن قوله "وَصْلُ أَرْوَى" مبتدأ، و"ظَنُون" خَبرُه، و "كِلَا يومي طوالة" ظرف يتعلق بـ "ظنون" الذي هو خبر المبتدأ، وقد تقدم معموله على المبتدأ؛ فلو لم يجز تقديم خبر المبتدأ عليه وإلا لما جاز تقديم معمول خبره عليه؛ لأن المعمول لا يقع إلا حيث يقع العامل، ألا ترى أنك لو قلت "القتال زيدًا حين تأتي" فنصبت زيدا بتأتي لم يجز، لأنه لا يجوز أن تقدم تأتي على "حين" فتقول: القتال تأتي حين؛ فلو كان تقديم خبر المبتدأ ممتنعًا كما امتنع ههنا تقديم الفعل لامتنع تقديم معموله على المبتدأ؛ لأن المعمول لا يقع إلا حيث يقع العامل؛ لأن المعمول تَبَعٌ للعامل، فلا يفوقه في التصرف، بل أجمل أحواله أن يقع موقعه؛ إذ لو قلنا إنه يقع حيث لا يقع العامل لقدَّمْنَا التابع على المتبوع؛ ومثال ذلك أن يجلس الغلام حيث لا يجلس السيد، فتجعل مرتبته فوق مرتبة السيد، وذلك عدول عن الحكمة، وخروج عن قضية المَعْدَلَة، وإذا ثبت بهذا جواز تقديم معمول خبر المبتدأ فَلأَن يجوز تقديم خبر المبتدأ عليه أولى؛ لأن رتبة العامل قبل رتبة المعمول، وهذا لا إشكال فيه.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: وقولهم "لو جوَّزنا تقديمه لأدَّى ذلك إلى أن تُقَدِّمَ ضمير الاسم على ظاهره" قلنا: هذا فاسد، وذلك لأن الخبر وإن كان مقدمًا في اللفظ إلا أنه متأخر في التقدير، وإذا كان مقدما لفظًا متأخرًا تقديرًا، فلا اعتبار بهذا التقديم في منع الإضمار؛ ولهذا جاز بالإجماع "ضَرَبَ غُلَامَهُ زَيْدٌ" إذا جعلت زيدًا فاعلًا وغلامه مفعولًا؛ لأن غلامه، وإن كان متقدمًا عليه في اللفظ إلا أنه في تقدير التأخير؛ فلم يمنع ذلك من تقديم الضمير، قال الله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه: ٦٧] فالهاء عائدة إلى موسى وإن كان متأخرًا لفظًا؛ لأن موسى في تقدير التقديم، والضمير في تقدير التأخير، قال زهير:

[٣٠]

مَنْ يَلْقَ يومًا على عِلَّاتِهِ هَرِمًا ... يَلْقَ السَّمَاحَةَ منه والنَّدَى خُلُقَا


= فلما تقدم الظرف وهو معمول للخبر دلّ على أن الخبر العامل في هذا الظرف يجوز أن يقع في الموضع الذي وقع فيه الظرف.
[٣٠] هذا البيت لزهير بن أبي سلمى المزني -كما قال المؤلف- من قصيدة يمدح فيها هرم بن سنان المري. وقوله "على علاته" المراد منه على كل حال، ومن ذلك قول زهير أيضًا:
إن البخيل ملوم حيث كان ولـ ... كن الجواد على علاته هرم
و"السماحة" الجود والعطاء، تقول: سمح -بوزن كرم- سماحًا، وسماحة وسموحة وهو رجل سمح: أي جواد كريم. والندى: الكرم، والخلق: الطبيعة والسجية. والاستشهاد بالبيت في قوله "علاته" فإن هذه الهاء ضمير غيبة يعود إلى هرم، وهو متأخر في اللفظ عن الضمير، ونظير ذلك في البيت الآخر الذي أنشدناه، وذلك يدلّ على أن العرب ما كانوا يرون بأسًا في الإتيان بضمير =

<<  <  ج: ص:  >  >>