للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معناها، ألا ترى أن "عسى" فيها معنى الطمع، كما أن لعل فيها معنى الطمع، فأمَّا "لولا" فليس في حروف الخفض ما هو بمعناه فيحمل عليه، فبان الفرق بينهما، ولأنه لو كان المكني في موضع خفض لكنا نجد اسمًا ظاهرًا مخفوضًا بلولا؛ لأنه ليس في كلام العرب حرف يعمل الخفض في المكني دون الظاهر؛ فلو كانت مما يخفض لما كان يخلو أن يجيء ذلك في بعض المواضع أو في الشعر الذي يأتي بالمستجاز، وفي عدم ذلك دليل على أنه لا يجوز أن تخفض اسمًا ظاهرًا ولا مضمرًا؛ فدل على أن الضمير بعد "لولاك" في موضع رفع.

يدل عليه أن المكنيّ كما يستوي لفظه في النصب والخفض نحو "أكرمتك، ومررت بك" فقد يستوي لفظه أيضا في الرفع والخفض نحو "قمنا، ومر بنا" فيكون لفظ المكنيّ في الرفع والخفض واحدًا، وإذا كان كذلك جاز أن تكون الكاف في موضع "أنت" رفعًا.

قالوا: ولا يجوز أن يقال "لو كان الرفع محمولًا على الجر في لولاك لوجب أن يُفْصَلَ بين المكنيّ المرفوع والمجرور في المتكلم كما فصل بين لفظ المكني المنصوب والمجرور في المتكلم نحو: أكرمني، ومرّ بي: لأنّا نقول: النون في المنصوب لم تدخل لتفصل بين المكني المنصوب والمكني المخفوض، وإنما دخلت النون في المكني المنصوب لاتصاله بالفعل؛ فلو لم يأتوابهذه النون لأدّى ذلك إلى أن يكسر الفعل لمكان الياء؛ لأن ياء المتكلم لا يكون ما قبلها إلا مكسورا؛ والفعل لا يدخله الكسر؛ لأنه إذا لم يدخله الجر -وهو غير لازم؛ استثقالًا له- فلأن لا يدخله الكسر الذي هو لازم استثقالًا له كان ذلك من طريق الأولى. وأما المكني المخفوض فلم تدخله هذه النون لأنه يتصل بالحرف، والحرف لا يلزم أن تدخل عليه هذه النون، و"لولا" حرف؛ فلهذا المعنى لم تدخل عليه هذه النون.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن المكني في "لولاي، ولولاك" في موضع جر لأن الياء والكاف لا تكونان علامة مرفوع، والمصير إلى ما لا نظير له في كلامهم محال؛ ولا يجوز أن يتوهم أنهما في موضع نصب؛ لأن "لولا" حرف، وليس بفعل له فاعل مرفوع فيكون الضمير في موضع نصب، وإذا لم يكن في موضع رفع ولا نصب وجب أن يكون في موضع جر.

قالوا: فلا يجوز أن يقال: "إذا زعمتم أن لولا تخفض الياء والكاف فحروف الخفض لا بد أن تتعلق بفعل فبأي فعل تتعلق؟ " لأنا نقول: قد تكون الحروف في موضع مبتدأ لا تتعلق بشيء كقولك "بحسبك زيد" ومعناه حسبك، قال الشاعر:

[١٠٠]

بحسبك في القوم أن يعلموا ... بأنك فيهم غني مضرّ

<<  <  ج: ص:  >  >>