للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكقولهم: "هل من أحد عندك" أي هل أحد عندك؟ قال الله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: ٥٩] أي ما لكم إله غيره، ولهذا كان {غَيْرُهُ} مرفوعًا في قراءة من قرأ بالرفع؛ فموضعها رفع بالابتداء وإن كانت قد عملت الجر، وكذلك "لولا" إذا عملت الجر صارت بمنزلة الباء في "بحسبك" ومن في "هل من أحد عندك" ولا فرق بينهما.

والصحيح ما ذهب إليه الكوفيون.

وأما الجواب عن كلمات البصريين: أما قولهم: "إن الياء والكاف لا يكونان علامة مرفوع" قلنا: لا نسلم؛ فإنه قد يجوز أن تدخل علامة الرفع على الخفض، ألا ترى أنه يجوز أن يقال "ما أنا كأنت" وأنت: من علامات المرفوع، وهو ههنا في موضع مخفوض، فكذلك ههنا؛ الياء والكاف من علامات المخفوض، وهما في "لولاي، ولولاك" من علامات المرفوع.

والذي يدل على أن "لولا" ليس بحرف خفض أنه لو كان حرف خفض لكان يجب أن يتعلق بفعل أو معنى فعل، وليس له ههنا ما يتعلق به.

قولهم: "قد يكون الحرف في موضع مبتدأ لا يتعلق بشيء" قلنا: الأصل في حروف الخفض أن لا يجوز الابتداء بها، وأن لا تقع في موضع مبتدأ، وإنما جاز ذلك نادرًا في حرف زائد دخوله كخروجه كقولهم: "بحسبك زيد، وما جاءني من أحد" لأن الحرف في نية الاطِّراح؛ إذ لا فائدة له، ألا ترى أن قولك "بحسبك زيد، وحسبك زيد" في معنى واحد، وكذلك قولك "ما جاءني من أحد، وما جاءني أحد" في المعنى واحد، فأما الحرف إذا جاء لمعنى ولم يكن زائدًا فلا بد أن يتعلق بفعل أو معنى فعل، ولولا: حرف جاء لمعنى، وليس بزائد؛ لأنه ليس دخوله كخروجه، ألا ترى أنك لو حذفتها لبطل ذلك المعنى الذي دخلت من أجله، بخلاف الباء في "بحسبك زيد" ومن في قولك "ما جاءني من أحد" فبان الفرق بينهما.

ثم لو سلمنا أن الحرف مطلقا إذا وقع في موضع ابتداء لا يتعلق بشيء فلا نسلم ههنا أن الحرف في موضع ابتداء، وقد بيّنّا فساد ذلك فيما قبل.

وأما إنكار أبي العباس المبرد جوازه فلا وَجْهَ له؛ لأنه قد جاء ذلك كثيرا في كلامهم، وأشعارهم، قال الشاعر:

[٤٣٤]

وأنت امرؤ لولاي طِحْتُ كما هَوَى ... بِأَجْرَامِهِ من قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي


[٤٣٤] هذا البيت ليزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي صاحب الشاهد رقم ١١١ السابق في =

<<  <  ج: ص:  >  >>