للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن "إيا" هي الضمير دون الكاف والهاء والياء، وذلك لأنا أجمعنا على أن أحدهما ضمير منفصل، والضمائر المنفصلة لا يجوز أن تكون على حرف واحد؛ لأنه لا نظير له في كلامهم؛ فوجب أن تكون "إيا" هي الضمير؛ لأن لها نظيرا في كلامهم؛ والمصير إلى ما له نظير أولى من المصير إلى ما ليس له نظير؛ ولهذا المعنى قلنا "إن الكاف والهاء والياء حروف لا موضع لها من الإعراب"؛ لأنها لو كانت معربة لكان إعرابها الجر بالإضافة؛ ولا سبيل إلى الإضافة ههنا؛ لأن الأسماء المضمرة لا تضاف إلى ما بعدها؛ لأن الإضافة تُرادُ للتعريف١، والمضمر في أعلى مراتب التعريف؛ فلا يجوز إضافته إلى غيره؛ فوجب أن لا يكون لها موضع من الإعراب.

وأما قول من ذهب من البصريين إلى أنه مضمر أضيف لأنه لا يفيد معنى بانفراده، ولم يقع معرفة فجاز أن يخص بالإضافة -فباطل؛ لأن هذا الضمير ما وقع إلا معرفة، ولم يقع قَطٌّ نكرة.

والذي يدل على ذلك أن علامات التنكير لا يحسن دخولها عليه، بل فيها إبهام تبينه هذه الحروف كالتاء في "أنت" فإن الضمير هو "أن" وهو مبهم، والتاء تبيّنه؛ فإن كانت مفتوحة دلّت على أنه ضمير المذكر، وإن كانت مكسورة دلّت على أنه ضمير المؤنث، فكذلك ههنا: جُعِلَتْ هذه الأحرف مبينة لذلك الإبهام مع كونه معرفة لا نكرة، وكما لا يجوز أن يقال إن "إيا" مضاف إلى التاء؛ فكذلك لا يجوز أن يقال إنَّ "إيا" مضاف إلى الكاف والهاء والياء وإذا حصلت الفائدة بهذه الأحرف لا على جهة الإضافة -ولها نظير في كلامهم- كان أولى من جعل الضمير مضافًا إليها ولا نظيرَ له في كلامهم.

وهذا هو الجواب عن مذهب من ذهب إلى أنه اسم مبهم مضاف؛ لأن المبهم معرفة، والمعرفة لا تضاف؛ لأنه استغنى بتعريفه في نفسه عن تعريف غيره؛ لأن الكَحَلَ يغني عن الكُحْلِ.

وأما مَنْ ذهب إلى أنه اسم مظهر فباطل؛ لأنه لو كان الأمر على ما زعم لما كان يقتصر فيه على ضرب واحد من الإعراب وهو النصب، فلما اقتصر فيه على ضرب واحد من الإعراب وهو النصب دلَّ على أنه اسم مضمر، كما أنه لما اقتصر بأَنَا وأَنْتَ وهُوَ وما أشبهها على ضرب واحد من الإعراب وهو الرفع دلَّ على أنها أسماء مضمرة؛ إذ لا يعلم اسم مظهر اقتصر فيه على ضرب واحد من الإعراب،


١ في ر "تزاد للتعريف".

<<  <  ج: ص:  >  >>