للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو من ضرورة الشعر التي لا يجوز استعمالها في اختيار الكلام.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إن الكاف والهاء والياء ههنا هي التي تكون في حالة الاتصال" قلنا: لا نسلم؛ فإنها وإن كانت مثلها في اللفظ إلا أنها تخالفها؛ لأن الكاف والهاء والياء ههنا حروف وهناك أسماء، وصار هذا كالتاء في "أنت" فإنها في اللفظ مثل التاء في "قمت" وإن كانت التاء في "أنت" حرفا والتاء في "قمت" اسما، وكما لا يجوز أن يقال إن التاء في "أنت" اسم؛ لأنها مثل التاء في "قمت" فكذلك ههنا [و] كما أن الاسم المضمر في "أنت" أنْ وحدها والتاء لمجرد الخطاب وليست عمادًا للتاء؛ فكذلك "إيّا" هي الاسم المضمر وحدها، وليست عمادًا للكاف والهاء والياء.

ثم لو كان الأمر كما زعموا لكان ذلك يؤدي إلى أن يعمد الشيء بما هو أكثر منه، وأن يكون الأكثر عمادا للأقل وتبعا له، وهذا لا نظير له في كلامهم.

والذي يدل على أن هذه الكاف والهاء والياء ليست هي التي تكون في حالة الاتصال أن هذه الأحرف ههنا ضمائر منفصله، وتلك ضمائر متصلة، والضمائر المنفصلة ينبغي أن يكون لفظها مخالفا للفظ الضمائر المتصلة، كما أن لفظ المضمرات المرفوعة المنفصلة مخالف للفظ الضمائر المرفوعة المتصلة، وليس شيء منها معمودًا، فكذلك ههنا.


= وكان عليه على هذا -أن يقول "إنما نقتلنا" ولكنه لو قال "إنما نقتلنا" لكان خطأ؛ لأنه لا يجوز أن يكون فاعل الفعل ومفعوله ضميرين لشيء واحد، لا تقول "ضربتني" ولا "ضربتك" بتاء المخاطب، ولا "زيد ضربه" على أن يكون في ضرب ضمير مستتر يعود إلى زيد، وتكون الهاء أيضا عائدة إلى زيد، وإذا أريد هذا المعنى جيء بلفظ النفس فجعل مفعولًا به، فيقال "ضربت نفسي" و"أكرمت نفسي" و"ضربت نفسك" و"أكرمت نفسك" و"زيد أكرم نفسه" ويستثنى من هذه القاعدة أفعال القلوب وفعلان آخران -وهما عدم وفقد- تقول "ظننتني، وخلتني، وعدمتني، وفقدتني"، فلو أراد الشاعر أن يأتي بالكلام على الطريق المستعمل في كلام العرب كان يقول: "إنما نقتل أنفسنا" قال الأعلم "وفصل الضمير من الفعل ضرورة، وكان الوجه نقتلنا، والأصل في هذا أن يستغنى فيه بالنفس فيقال: نقتل أنفسنا، فوضع إيّانا، موضع ذلك" ا. هـ. وأحسن مما قال الأعلم قول ابن يعيش "الشاهد فيه وضع إيانا موضع الضمير المتصل، إلا أنه أسهل من قول حميد الأرقط:
حتى بلغت إياك
وذلك لأنه لا يمكنه أن يأتي بالمتصل فيقول نقتلنا لأنه يتعدى فعله إلى ضميره المتصل، فكان حقه أن يقول: نقتل أنفسنا، لأن المنفصل والنفس يشتركان في الانفصال ويقعان بمعنى، فلما كان المتصل لا يمكن وقوعه هنا لما ذكرناه، وكان النفس والمنفصل مترادفين استعمل أحدهما في موضع الآخر" ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>