ذلك سيبويه، ولم يجز فيه النصب، فقال له يحيى بن خالد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما فمن ذا يحكم بينكما؟ فقال له الكسائي: هذه العرب ببابك قد اجتمعت من كل أوب؛ ووفدت عليك من كل صُقْع، وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهم أهل المِصْرضين، وسمع أهل الكوفة والبصرة منهم؛ فيحضرون ويسألون، فقال له يحيى وجعفر: قد أنصفت، وأمر بإحضارهم، فدخلوا وفيهم أبو فَقْعَس وأبو زياد وأبو الجراح وأبو ثَرْوَان، فسئلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه، فوافقوا الكسائي، وقالوا بقوله، فأقبل يحيى على سيبويه فقال: قد تسمع، وأقبل الكسائي على يحيى: وقال أصلح الله الوزير! إنه وَفَدَ عليك من بلده مؤملًا، فإن رأيت أن لا ترده خائبًا، فأمل له بعشرة آلاف درهم، فخرج وتوجه نحو فارس، وأقام هناك، ولم يعد إلى البصرة.
فوجه الدليل من هذه الحكاية أن العرب وافقت الكسائي، وتكلمت بمذهبنا، وقد حكى أبو زيد الأنصارى عن العرب "قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو إياها" مثل مذهبنا؛ فدل على صحة ما ذهبنا إليه.
وأما من جهة القياس فقالوا: إنما قلنا ذلك لأن "إذا" إذا كانت للمفاجأة كانت ظرف مكان، والظرف يرفع ما بعده، وتعمل في الخبر عمل وَجَدْتُ؛ لأنها بمعنى وجدت.
وقد قال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب: إن "هو" في قولهم "فإذا هو إياها" عماد، ونصبت "إذا لأنها بمعنى وَجَدْتُ على ما قدمناه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز إلا الرفع لأن "هو" مرفوع بالابتداء، ولا بد للمبتدأ من خبر، وليس ههنا ما يصلح أن يكون خبرا عنه، إلا ما وقع الخلاف فيه، فوجب أن يكون مرفوعا، ولا يجوز أن يكون منصوبا بوجه ما؛ فوجب أن يقال "فإذا هو هي" فهو: راجع إلى الزنبور لأنه مذكر، وهي: راجع إلى العقرب لأنه مؤنث.
أما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما ما رووه عن العرب من قولهم: "فإذا هو إياها" فمن الشاذ الذي لا يُعْبَأ به كالجزم بلن والنصب بلم وما أشبه ذلك من الشواذ التي تخرج عن القياس، على أنه قد روي أنهم أُعْطُوا على متابعة الكسائي جُعْلًا؛ فلا يكون في قولهم حجة لتطرق التهمة في الموافقة.
وأما قولهم: "إن إذا إذا كانت للمفاجأة كانت بمنزلة وَجَدْتُ" فباطل؛ لأنها إن كانت بمنزلة وجدت في العمل فوجب أن يرفع بها فاعل وينصب بها مفعولان كقولهم "وجدت زيدًا قائمًا" فترفع الفاعل وتنصب المفعولين، وإن قالوا إنها بمعنى