للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجدت، ولا تعمل عملها كما أن قولهم: "حَسْبُكَ زيدٌ" بمعنى الأمر وهو اسم وليس بفعل، وكقولهم: "أحسن بزيد" لفظه لفظ الأمر وهو بمعنى التعجب، وكقولهم: "رحم الله فلانا" لفظه لفظ الخبر وهو في المعنى دعاء، وكقوله تعالى في قراءة من قرأ بالرفع: {لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: ٢٣٣] لفظه لفظ الخبر والمراد به النهي، وكقوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: ٩١] أي: انْتَهُوا، لفظه لفظ الاستفهام والمراد به الأمر، وكقوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: ٧٥] لفظه لفظ الأمر والمراد به الخبر، وكقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] أي: ليرضعن، لفظه لفظ الخبر والمراد به الأمر، إلى غير ذلك من الأماكن التي لا تحصى كثرة، فكذلك نقول نحن ههنا: "إذا" بمعنى وجدت وهي في اللفظ ظرف مكان، وظرف المكان يجب رفع المعرفتين بعده، فوجب أن يقال "فإذا هو هي".

وإن قالوا "إنها تعمل عمل الظرف وعَمَلَ وجدت؛ فترفع الأول لأنها ظرف وتنصب الثاني على أنها فعل ينصب مفعولين" فباطل؛ لأنهم إن أعملوها عمل الظرف بقي المنصوب بلا ناصب، وإن أعملوها عمل الفعل لزمهم وجود فاعل ومفعولين، وليس لهم إلى إيجاد ذلك سبيل.

وأما قول أبي العباس ثعلب "إن هو في قولهم فإذا هو إياها عماد" فباطل عند الكوفيين والبصريين؛ لأن العماد عند الكوفيين -الذي يسميه البصريون الفَصْلَ- يجوز حذفه من الكلام، ولا يختلّ معنى الكلام بحذفه، ألا ترى أنك لو حذفت العماد الذي هو الفصل من قولك "كان زيد هو القائم" فقلت "كان زيد القائم" لم يختل معنى الكلام بحذفه؛ وكان الكلام صحيحًا، وكذلك سائر الأماكن التي يقع فيها العماد الذي هو الفصل يجوز إثباته وحذفه، ولو حذفته ههنا من قولهم: "فإذا هو إياها" لاختلَّ معنى الكلام وبطلت فائدته؛ لأنه يصير "فإذا إياها" وهذا لا معنى له ولا فائدة فيه؛ فبطل ما ذهبوا إليه. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>