للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالنون ساكنة وقبلها همزة مخففة بَيْنَ بَيْنَ، فعلم أنها متحركة؛ لاستحالة التقاء الساكنين في هذا الموضع، وهذا لأن الهمزة إنما جعلت بَيْنَ بَيْنَ كراهية لاجتماع الهمزتين؛ لأنهم يستثقلون ذلك، ولم يأتِ اجتماع الهمزتين في شيء


= التقى في هذه الكلمة همزتان أولاهما همزة الاستفهام والثانية همزة أن المصدرية؛ ولك أن تحقق الهمزتين فتأتي بهما على أصلهما فتقول "أأن" ولك أن تخفف الهمزة الثانية، وقد ذهب البصريون إلى أنك إذا خففت الثانية جئت بها متحركة وجعلتها حرفا بين الهمزة وحرف العلة؛ وقال الكوفيون: همزة بَيْنَ بَيْنَ ساكنة، ويرد عليهم مثل هذا البيت، ووجه الرد إلى أن النون بعد الهمزة الثانية ساكنة؛ فلو كانت الهمزة ساكنة أيضا لالتقى ساكنان على غير الحد الجائز، وذلك مما لا يجوز، وقد روي أن ورشًا قرأ في قوله تعالى: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} بقلب الهمزة الثانية ألفًا، وقد أنكر هذه القراءة الزمخشري وزعم أن ذلك لحن وخروج عن كلام العرب من وجهين: أحدهما أنه يلزم على هذه القراءة الجمع بين ساكنين على غير الحد الذي يجوز فيه التقاء الساكنين؛ والثاني أن طريق تخفيف همزة بَيْنَ بَيْنَ هو بالتسهيل لا بالقلب ألفًا؛ لأن القلب ألفًا هو طريق تخفيف الهمزة الساكنة، لكن هذا الكلام فيه إلزام الكوفيين بما لم يلتزموه؛ لأن هذا الذي قاله الزمخشري في رد قراءة ورش هو قواعد البصريين التي أصلوها وجعلوها معيارًا لأنفسهم؛ وقد قلنا مرارًا: إنه لا يجوز الردّ على قوم بمذهب غير مذهبهم؛ كما قلنا مرة أخرى: إن القراءة سنة متبعة؛ فليست خاضعة لما يراه فريق من النحاة؛ والكوفيون يجيزون التقاء الساكنين في مثل هذا الموضع، ولعلهم يلتزمون تحقيق الهمزتين في مثل هذا البيت. ونظيره قول الشاعر؛ وهو من شواهد ابن يعيش:
أأن زم إجمال وفارق جيرة ... وصاح غراب البيت أنت حزين؟
ونظيره أيضا قول ذي الرمة غيلان:
أأن ترسمت من خرقاء منزلة ... ماء الصبابة من عينيك مسجوم؟
ونظيره أيضا قول ابن هرمة:
أأن تعنت على ساق مطوقة ... ورقاء تدعو هديلًا فوق أعواد؟
ونظيره قول مجنون بني عامر:
أقول لظبي يرتعي وسط روضة: ... أأنت أخو ليلى؟ فقال: يقال
ونظيره قول ذي الرمة "كامل المبرد ٢/ ١٦٨":
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا أأنت أم أم سالم؟
ونظيره قول الشاعر:
أألخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي لا يأتليني؟
ونظيره قول عمر بن أبي ربيعة:
أألحق إن دار الرباب تباعدت ... أو انبت حبل أن قلبك طائر؟
ونظيره قول تميم بن أبي بن مقبل:
أأم تميم إن تريني عدوكم ... وبيتي فقد أغنى الحبيب المصافيا

<<  <  ج: ص:  >  >>