وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز ذلك لأن الهمزة إنما يجوز أن تنقل حركتها إذا ثبتت في الوصل نحو: "مَنَ ابوك" في "مَنْ ابوك" و"كَمِ ابِلُكَ" في "كَمْ إِبلكَ" فأما همزة الوصل فتسقط في الوصل؛ فلا يصح أن يقال إن حركتها تنقل إلى ما قبلها؛ لأن نقل حركة معدومة لا يتصور، ولو جاز أن يقال إن حركتها تنقل لكان يجب أن يثبتها في الوصل فيقول: قال ألرّجُل، وذهب ألغلام، حتى يجوز له أن يقدر نقل حركتها، ولو جاز ذلك لجاز أن يقال:"أخذت عن ألرجل" بسكون النون وقطع الهمزة وبفتح النون على نقل الحركة كما يقال: "من أبوكَ، ومن ابوكَ" فلما لم يَقُلْ ذلك بالإجماع دلّ على فساد ما ذهبتم إليه.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بقوله تعالى: {الم، اللَّهُ}[آل عمران: ١-٢] فلا حجة لهم فيه؛ لأن حركة الميم إنما كانت لالتقاء الساكنين -وهما الميم واللام من "الله" وزعم بعضهم أن الساكنين هما الميم والياء قبلها، وهذا عندي باطل؛ لأنه لو كان التحريك في قوله:{الم، اللَّهُ} لسكونها وسكون الياء قبلها لكان يجب أن تكون متحركة في قوله: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ}[البقرة: ٢] فلما كانت ساكنة دلّ على أنها حركت ههنا لسكونها وسكون اللام بعدها؛ لا لسكونها وسكون الياء قبلها، وكانت الحركة فتحة على خلاف الأصل في التقاء الساكنين لأن قبلها ياء قبلها كسرة فلو كسر لأدّى ذلك إلى اجتماع كسرة قبلها ياء قبلها كسرة، والياء تعدُّ بكسرتين؛ فيؤدّي في التقدير إلى اجتماع أربع كسرات متواليات، وذلك ثقيل جدا فعدلوا عنه إلى الفتح لأنه أخفُّ الحركات.
وهذا هو الجواب عن احتجاجهم بقراءة بعض العرب "مُرِيبِنَ الذي" فإن الفتحة في التنوين ليس عن إلقاء حركة همزة "الَّذِي" وإنما حركت لالتقاء الساكنين -وهما التنوين، واللام من "الَّذِي" وكانت الحركة فتحة على خلاف الأصل في التقاء الساكنين لأن ما قبل التنوين كسرة وقبل الكسرة ياء قبلها كسرة، فالياء تعد بكسرتين على ما بينا؛ فعدل في هذه القراءة عن الكسر لئلا يجمع في التقرير بين خمس كسرات متواليات، وعدل عنه إلى الفتح لأنه أخف الحركات، وإذا كانوا قد فتحوا "أين، وكيف" لئلا يجمعوا بين ياء وكسرة مع كثرة الاستعمال، ولا يوجد فيه من الاستثقال ما يوجد ههنا، فلأن يفتحوا ههنا كان ذلك من طريق الأولى، على أنه لا يجوز لأحد أن يقرأ بهذه القراءة لأنه لا إمام لها، وكذلك ما حكاه عن بعض العرب من فتح الميم من:"الرَّحِيمَ الْحَمْدُ لِلَّهِ" لأنها لا إمام لها، على أنه لا وجه للاحتجاج بها؛ لأن فتح الميم فتحة إعراب؛ لأنه لما