تكرر الوصف عدل به إلى النصب على المدح بتقدير أعني، كما قالت امرأة من العرب١:
[٢٩٥]
لا يَبْعَدَنْ قومي الذين هُمُ ... سَمُّ العُدَاةِ وآفةُ الجُزْرِ
النازلون بكل مُعْتَرِكٍ ... والطَّيِّبين مَعَاقِدَ الأَزْرِ
وهذا كثير في كلامهم، وقد بينا ذلك قبل:
وأما قراءة أبي جعفر {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا}[البقرة: ٣٤] فضعيفة في القياس جدا والقُرَّاء على خلافها، على أنها لا حجة لهم فيها. وذلك من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الخلاف إنما وقع في نقل حركة همزة الوصل إلى الساكن قبلها، وههنا ليس ما قبلها ساكنا، وإنما هو متحرك؛ لأن التاء من "الْمَلائِكَةِ" متحركة، فهذا احتجاج على غير محل الخلاف.
والثاني: أن هذا لا تقولون به؛ فإنه لا يجوز عندكم نقل حركة همزة الوصل إلى المتحرك قبلها.
الثالث: أنا نقول: إنما ضمت هذه التاء إتباعا لضمة الجيم في "اسْجُدُوا" وذلك من وجهين؛ أحدهما: أن يكون قد نَوَى الوقف فسكنت التاء وضمها تشبيهًا بضمة التاء في قراءة من قرأ: {وَقَالَتُ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ}[يوسف: ٣١] بإتباع ضمة التاء ضمة الراء؛ لئلا يخرجوا من كسر إلى ضم كما ضموا الهمزة، ونحو هذا الإتباع قراءة من قرأ أيضا:{جَنَّاتٍ وَعُيُونٌ ادخلوها}[الحجر: ٤٥] بضم التنوين إتباعا لضمة الخاء من: "ادْخُلُوهَا" وهذا كثير في كتاب الله تعالى وكلام العرب. والثاني: أنه أتبع الضم الضم، كما أتبع الكسر في قراءة الحسن البصري:"الْحَمْدِ لِلَّهِ" فكسر الدال إتباعا لكسرة اللام، وكقولهم "منتن" بكسر الميم، والأصل فيه "منتن" بضم الميم، فكسروها إتباعا لكسرة التاء، ومنهم من يقول "منتن" بضم التاء، والأصل فيها الكسر، إتباعا لضم الميم، كقراءة ابن أبي عبلة:"الْحَمْدُ لُلَّهِ" بضم اللام والأصل فيها الكسر إتباعا لضمة الدال.
وعلى كل حال فهذه القراءة ضعيفة في القياس، قليلة في الاستعمال.
وأما قولهم "إنها همزة متحركة فجاز أن تنقل حركتها إلى الساكن قبلها كهمزة القطع" قلنا: قد بينا الفرق بين همزة الوصل وهمزة القطع بما يغني عن الإعادة؛ فلا يجوز أن تحمل إحداهما على الأخرى.
١ هي الخرنق أخت طرفة بن العبد لأمه كما تقدم ذكره في شرح هذا الشاهد سابقا.