للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الآخر:

[٤٦٤]

جماديين حرام

فثنوا ذلك على تمام الاسم على الأصل من غير حذف، والعدول عن الأصل والقياس والنقل من غير دليل لا وجه له.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إنما قلنا إنه يحذف لكثرة حروفهما وطول ألفاظهما" قلنا: كثرة الحروف لا تكون علة موجبة للحذف، وإنما يوجد ذلك في ألفاظ يسيرة نُقِلَتْ عنهم على خلاف الأصل والقياس، فيجب الاقتصار على تلك المواضع، ولا يقاس عليها غيرها؛ إذ ليس الحذف للكثرة قياسا مطردا؛ فإذا وجب الاقتصار على ما نقل من الحذف للكثرة بَطَلَ أن الحذف ههنا للكثرة؛ لورود النقل بخلافه.

وأما استشهادهم باشهباب وكَيْنُونة والأصل فيهما اشهيباب وكَيَّنونة بالتشديد فمخالف لما وقع الخلاف فيه؛ لأن الثقل فيهما لازم في أصل الكلمة غير عارضٍ،


= السابق أن هذا الشاهد والكثير من أمثاله لا يرد مذهب الكوفيين من قبل أنهم لا يقولون بوجوب حذف ألف المقصور ولا بوجوب حذف همزة الممدود، وإنما يقولون: يجوز للمتكلم إذا استطال حروف الكلمة أن يحذف الألف أو الهمزة ويجوز له أن يأتي بالكلمة على الأصل ويقلب الألف ياء ويقلب الهمزة واوا أو يبقيها على تفصيل في الممدود معروف لك، وإذا كانوا لا يقولون بوجوب الحذف فمجيء الشواهد العديدة بالإثبات والقلب لا يرد مذهبهم؛ لأن هذه الشواهد جاءت على الوجه الآخر الذي يجوزونه أيضًا.
[٤٦٤] والاستشهاد بهذا الشاهد في قوله "جماديين" أيضا، والكلام فيه كالكلام فيما قبله، وقول المؤلف بعد إنشاد هذه الشواهد "والعدول عن الأصل والقياس والنقل من غير دليل لا وجه له" غير مسلم له، فإنهم لم يقولوا ما قالوه من غير دليل، فقد حكوا أن العرب تثني الخوزلي والقهقري على الخوزلين والقهقرين، بحذف الألف، وتثني القاصعاء والحاثياء على القاصعين والحاثيين، بحذف الهمزة والألف التي قبلها؛ وقد نقلنا لك زيادة على هذه الكلمات في شرح الشاهد ٤٦٢ أنهم يثنون الخنفساء والقرفصاء وعاشوراء بحذف الألف والهمزة التي قبلها، فكيف يقال: إنهم عدلوا عن الأصل والنقل والقياس من غير دليل؟ وإذا كان القياس يثبت بعدد الكلمات فإن كلام الكوفيين أحرى بالثبوت، لأن الكلمات التي ذكروا أن العرب حذفت منها ألف المقصور وهمزة الممدود مما عددناه هنا سبع كلمات، بينما لم يأتِ هو لمذهب البصريين إلا بكلمة واحدة، وهي جمادى على تعدد ما أتى به من الشواهد لهذه الكلمة، ومع هذا كله نرى لك أن تأخذ بمذهب البصريين، لا لضعف الحجة التي أتى بها الكوفيون ولكن لأن الأصل أن علامة التثنية تزاد على حروف الكلمة كلها، وأن الحذف من الكلمة قد يوقع في اللبس بين الكلمة المراد تثنيتها وكلمة أخرى تشبهها في الحروف التي أبقيت بعد الحذف، فإن أمن اللبس كان لكلامهم وجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>