للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنهم خففوه كما خففوا ريحان، وأصله رَيَّحَان -بالتشديد- على فَيْعَلَان، وأصل ريحان "رَيْوَحَان" فلما اجتمعت الواو والياء والسابق منهما ساكن قلبوا الواو ياء وجعلوهما ياء مشدودة، وكما خففوا سيد وهين وميت، إلا أن التخفيف في نحو سيد وهين وميت جائز، والتخفيف في نحو كيَّنونة وقيَّدودة واجب، وذلك لأن نهاية الاسم بالزيادة أن يكون على سبعة أحرف وهو مع الياء على سبعة أحرف، فخففوه كما خففوا اشهيباب، فقالوا: اشهباب.

وإذا جاز الحذف فيما قلَّت حروفه نحو سيد وهين وميت لزم الحذف فيما كثرت حروفه نحو كينونة وقيدودة، وإذا جاز أن يختص المعتل بأبنية ليست للصحيح كان حمل سيد وهين وميت على الظاهر أولى من العدول عنه إلى غيره.

قالوا: ولا يجوز أن يقال "إن الأصل أن يقال في جمع قاض" قُضَّى. كما يقال: غازٍ وغُزَّى، فاستثقلوا التشديد على غير الفعل، فحذفوا، وعوَّضوا من حذف المحذوف هاء، كما قالوا: عِدَة، فعوضوا من الواو المحذوفة هاء، وأما كينونة وقيدوه فالأصل كونونه وقودودة على فعلولة نحو بُهْلُول وصندوق. إلا أنهم فتحوا أوله لأن أكثر ما يجيء من هذه المصادر مصادر ذوات الياء، كقولهم طار طيرورة وصار صيرورة وسار سيرورة وحاد حيدودة، ففتحوه حتى تسلم الياء١؛ لأن الباب للياء، ثم حملوا ذوات الواو على ذوات الياء؛ لأنها جاءت على بنائها، وليس للواو فيه حظ؛ لقربهما في المخرج واشتراكهما في اللين، فقلبوا الواو ياء في نحو كينونة وقيدودة. كما قالوا الشِّكَاية وهي من ذات الواو لقولهم: شكوت أشكو شكوًا؛ لأنها جاءت على مصادر الياء نحو الراية والرواية والسعاية والرماية فكذلك ههنا" لأنا نقول: أما قولكم "إن الأصل أن يقال في جمع قاضٍ قُضَّى كما يقال غاز وغزّى" قلنا: هذا عدول عن الظاهر من غير دليل، ثم لو كان أصله قُضَّى كغاز وغزى لكان ينبغي أن لا يلزمه الحذف لقلة حروفه، وأن يجوز أن يؤتى به على أصله؛ فكان يقال فيه: قضًّى وقضاة كما قالوا: غُزًّى، وغُزَاة؛ لأن فُعَّلًا ليس بمهجور في أبنيتهم، وهو كثير في كلامهم، فلما لزم الحذف، ولم يلزم في نظيره مع قلة حروفه دلّ على أن ما ذكرتموه مجرد دعوى لا يستند إلى معنى.

وأما قولهم "إن كينونة فُعْلُولة" قلنا: هذا باطل؛ لأنه لو كان الأمر كما زعمتم


١ إذ لو بقيت الضمة لوجب قلب الياء واوا؛ لسكونها بعد ضمة كما قلبوها في موسر اسم الفاعل من أيسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>