للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكان يجب أن يقال "كُونُونة وقُودُودة"؛ لأنه لم يوجد ههنا ما يوجب قلب الواو ياء، وقولهم "إنهم غَلَّبُوا الياء على الواو؛ لأن الباب للياء" فليس بصحيح؛ لان المصادر على هذا الوزن قليلة، وما جاء منها من ذوات الواو نحو ما جاء منها من ذوات الياء، كقولك: كينونة، وقيدودة، وحيلولة، وديمومة، وسيدودة، وهيعوعة -من الهُوَاع وهو القيء- فليس جَعْلُ الباب لذوات الياء أولى من جعله لذوات الواو؛ فحمل أحدهما على الآخر لا وجه له.

والذي يدل على صحة ما صرنا إليه أن فَيْعَلُولا بناء يكون في الأسماء والصفات، نحو: خَيْتَعور، وعَيْطَموس، وفَعْلُول لا يكون في شيء من الكلام، ولم يأتِ إلَّا في قولهم "صَعْفُوقٍ" قال الراجز:

[٤٩٣]

من آل صعفوق وأتباع أُخَرْ ... الطَّامِعِين لا يُبَالُون الغُمَرْ


[٤٩٣] هذان بيتان من مشطور الرجز، من رجز للعجاج بن رؤبة يمدح فيه عمر بن عبيد الله بن معمر، وكان قد ولي حرب الخوارج الذين كان يقودهم أبو فيديك في عهد عبد الملك بن مروان فنال منهم، وقد أنشده الجاربردي والرضي في شرح الشافية، وشرحه البغدادي "ص٤ بتحقيقنا" والجوهري في الصحاح، وابن منظور في اللسان "ص ع ف ق" وقد روى البغدادي مما يتصل بالشاهد:
فهو ذا؛ فقد رجا الناس الغير ... من أمرهم على يديك والثؤر
من آل صعفوق وأتباع أخر ... الطامعين لا يبالون الغمر
وقوله "فهو ذا" أي الأمر هو هذا الذي ذكرته، و"الغير" معناه أن الناس قد رجوا وأملوا أن يتغيّر أمرهم ويتحوّل حالهم على يديك من فساد وفوضى إلى صلاح ونظام، ولك بنظرك في أمرهم وتدبير حالهم ودفع غوائل الخوارج عنهم ورمّ ما أفسدوه ورتق ما فتقوه، والثؤر -بضم الثاء وفتح الهمزة- جمع ثؤرة، وهي الثأر، وآل صعفوق: أصلهم خول -أي خدم وأتباع- باليمامة، وقال ابن الأعرابي: هم قوم من بقايا الأمم الخالية باليمامة ضلت أنسابهم، وقيل: هم الذين يشهدون الأسواق ولا بضائع لهم فيشترون ويبيعون ويأخذون الأرباح، وعلى كل حال فإن العجاج يريد في هذا الموضع أرذال الناس وضعًا فهم الذين لا قديم لهم يردعهم عن إتيان المنكرات. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "صعفوق" فقد رواه نقلة اللغة -بفتح الصاد وسكون العين وضم الفاء، وقالوا: إن وزنه فعلول، وإنه لم يجئ في كلام العرب على وزن فعلول غير هذه الكلمة، وقوم ينكرون هذا الوزن بتة، ومن هؤلاء المنكرين من رووه بضم الفاء ومنهم من قال: هذا لفظ أعجمي، قال الجوهري "بنو صعفوق: خول باليمامة، قال العجاج:
من آل صعفوق وأتباع أخر ... من طامعين لا يبالون الغمر
وهو اسم أعجمي، لا ينصرف للعجمة والمعرفة، ولم يجئ على فعلول شيء غيره، وأما الخرنوب فإن الفصحاء يضمونه أو يشددونه مع حذف النون، وإنما يفتحه العامة" ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>