للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يدل علي ذلك أنهم قالوا: طَبِيبٌ وأطِبَّاء، وحبيب وأحباء، والأصل فيه طُبَبَاء وحُبَبَاء، نحو: ظريف وظرفاء، وشريف وشرفاء، إلا أنه لما اجتمع فيه حرفان متحركان من جنس واحد واستثقلوا اجتماعهما فنقلوه عن فُعَلاء إلى أفْعِلاء، فصار أطبباء، فاجتمع فيه أيضا حرفان متحركان من جنس واحد، فنقلوا حركة الحرف الأول إلى الساكن قبله فسكن فأدغموه في الحرف الذي بعده، فقالوا: أطِبَّاء، فنقلوه من فُعَلَاء إلى أفْعِلاء، فدل على ما قلناه.

وأما من ذهب إلى أن وزنه أفعال فتمسك بأن قال: إنما قلنا أن وزنه أفعال لأنه جمع شيء، وشيء على وزن فعل، وفعل يجمع في المعتل العين على أفعال، نحو: بيت وأبيات وسيف وأسياف، وإنما يمتنع ذلك في الصحيح، على أنهم قد قالوا فيه: زنْد وأزناد، وفَرْخ وأفراخ، وأنف وآناف، وهو قليل شاذ، وأما في المعتل فلا خلاف في مجيئه على أفعال مجيئا مطردا؛ فدل على أنه أفعال؛ إلا أنه منع من الإجراء تشبيها له بما في آخره همزة التأنيث.

والذي يدل على أن أشياء جمع وليس بمفرد كطرفاء قولهم: ثلاثة أشياء. والثلاثة وما بعدها من العدد إلى العشرة يضاف إلى الجمع لا إلى المفرد. ألا ترى أنه لو قيل "ثلاثة ثوب وعشرة درهم" لم يجز، فلما جاز ههنا أن يقال "ثلاثة أشياء، وعشرة أشياء" دل على أنها ليست اسما مفردا وأنه جمع.

والذي يدل على ذلك أيضا تذكيرهم ثلاثة وعشرة في قولهم: "ثلاثة أشياء، وعشرة أشياء" ولو كانت كَطَرْفاء مؤنثة لما جاز التذكير فيقال "ثلاثة أشياء" وكان يجب أن يقال: ثلاث أشياء؛ كما كنت تقول مثلا: ثلاث غرفة؛ لو جاز أن يقع فيه الواحد موقع الجمع، وفي امتناع ذلك دليل على أنه جمع وليس باسم مفرد.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن أشياء على وزن لفعاء لأن الأصل فيه شَيْئَاء بهمزتين على فعلاء كطرفاء، وحَلْفاء، فاستثقلوا اجتماع همزتين وليس بينهما حاجز قوي؛ لأن الألف حرف زائد خفي ساكن والحرف الساكن حاجز غير حصين؛ فقدموا الهمزة التي هي اللام على الفاء؛ كما غيروا بالقلب في قولهم: قِسِيّ في جمع قوس، والأصل أن يقال في جمعها: قُوُوس؛ إلا أنهم قلبوا كراهية لاجتماع الواوين والضمتين؛ فصار قسوو؛ فأبدلوا من الضمة كسرة١؛ لأنهم ليس في كلامهم اسم متمكن في آخره واو قبلها ضمة؛ فانقلبت الواو الثانية


١ في هذا الكلام تكلف، والواو المتطرفة تقلب ياء بغير هذا التكلف وكيف تبقى الواو الأولى مدة بعد انكسار ما قبلها؟ لقد كانت أولى أن تقلب ياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>