للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرق بين الهمزة في آخر أشياء وبين الهمزة في آخر أسماء وأبناء.

وأما قولهم: "الدليل على أن أشياء جمع وليس بمفرد قولهم: ثلاثة أشياء، والثلاثة وما بعدها من العدد إلى العشرة يضاف إلى الجمع، لا إلى المفرد، فلا يقال: ثلاثة ثوب، ولا عشرة درهم" قلنا: إنما لا يضاف إلى ما كان مفردا لفظا ومعنى، وأما إذا كان مفردا لفظا ومجموعا معنى فإنه يجوز إضافتها إليه، ألا ترى أنه يجوز أن تقول: ثلاثة رَجْلَة -وإن كان مفردا لفظا- لأنه مجموع معنى، وكذلك قالوا: ثلاثة نَفَر، وثلاثة قَوْم، وتسعة رَهْطٍ، قال الله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ} [النمل: ٤٨] وأضيف العدد إلى هذه الأسماء -وإن كانت مفردة لفظا- لأنها مجموعة معنى، فكذلك ههنا: أشياء مفردة لفظا، مجموعة معنى كطَرْفَاء، وحَلْفَاء، وقصباء؛ فجاز أن يضاف اسم العدد إليها.

وأما قولهم: "إنها لو كانت كطَرْفَاء لما جاز تذكير ثلاثة١، فيقال ثلاثة أشياء، وكان يجب أن يقال: ثلاثة أشياء" قلنا: إنما جاز تذكير ثلاثة أشياء" -وإن كانت أشياء مؤنثة لوجود علامة التأنيث فيها- لأنها اسم لجمع شيء، فتنزلت منزلة أَفْعَال من حيث إنه جمع شيء في المعنى، لا لأنه مفرد أقيم مقام جمع بمنزلة درهم في قولهم: مائة درهم، ولو كان كذلك لوجب أن يقال "ثلاث أشياء" كما ذكرتم، وإذا كانت أشياء اسما لجمع شيء علمت أن أشياء في المعنى جمع شيء؛ فصارت إضافة العدد إليها بمنزلة إضافته إلى جمع ثوب وبيت في قولهم: "ثلاثة أثواب، وعشرة أبيات" وما أشبه ذلك، والله أعلم.

قال أبو البركات كمال الدين الأنباري:

فهذا منتهى ما أردنا أن نذكره في كتاب "الإنصاف، في مسائل الخلاف" واقتصرنا فيه على هذا القدر من القول مع تَشَعُّب أنحائه، لتوفر رغبة الطلبة في سرعة إنهائه، وكثرة الشواغل عن استقصائه، فالله تعالى يعصمنا فيه من الزلل، ويحفظنا فيه من الخطأ والخطل، ويوفقنا وإياكم لصالح القول والعمل بمنه ولطفه.


١ المراد بتذكير ثلاثة الإتيان بلفظه كلفظ عدد المذكر، وتأنيثه: الإتيان بلفظه كلفظ عدد المؤنث، وأنت خبير أن لفظ ثلاثة يقرن بالتاء إذا كان معدوده مذكرا، ويجرد منها إن كان معدوده مؤنثا.

<<  <  ج: ص:  >  >>