للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قائم"؛ فكذلك يجب أن يكون المفعول في معنى الفاعل؛ فلهذا امتنع في "كان" ما جاز في "ضرب" لا لما ادعيتم، على أنا لا نقول إن كان بمنزلة ضرب، فإن ضرب فعل حقيقي يدل على حدث وزمان، والمرفوع [به] فاعل حقيقي، والمنصوب به مفعول حقيقي، وأما "كان" فليس فعلا حقيقيا؛ بل يدل على الزمان المجرد عن الحدث، ولهذا يسمى فعلَ العبارةِ، فالمرفوع به مشبه بالفاعل والمنصوب به مشبه بالمفعول؛ فلهذا سمي المرفوع اسما، والمنصوب خبرا، ولهذا المعنى من الفرق لما كان ضرب فعلا حقيقيا جاز إذا كني عنه -نحو "ضربت زيدا"- أن يقال: فعلت بزيد، ولما كانت "كان" فعلا غير حقيقي، بل في فعليتها خلاف؛ لم يجز إذا كني عنها نحو "كنت أخاك" أن يقال: فعلت بأخيك.

وأما قولهم: "إنه يحسن أن يقال: كان زيد في حالة كذا، وكذلك يحسن أيضا في ظننت زيدا قائما: ظننت زيدا في حالة كذا؛ فدل على أن نصبهما نصب الحال" قلنا: هذا إنما يدل على الحال مع وجود شروط الحال بأسرها، ولم يوجد ذلك؛ لأنه من شروط الحال أن تأتي بعد تمام الكلام، ولم يوجد ذلك في "كان" الناقصة التي وقع فيها الخلاف دون التامة التي بمعنى وَقَعَ، ولم يوجد أيضا في المفعول الثاني لظننت التي بمعنى الظن أو العلم التي وقع فيها الخلاف، لا التي بمعنى التهمة، وكذلك من شروطها ألا تكون إلا نكرة، وكثيرا ما يقع خبر كان والمفعول الثاني لظننت معرفة، ولو كانا حالا لما جاز أن يقعا إلا نكرة؛ فلما جاز أن يقعا معرفة دل على أنهما ليسا بحال.

قولهم: "إنما جاز ذلك لأن المعرفة أقيمت مقام الحال، كما أقيمت الآلة مقام المصدر في قولهم: ضربت زيدا سوطا" قلنا: الفرق بينهما ظاهر، وذلك أنه إنما حسن أن ينصب "سوطا" على المصدر؛ لأنه نكرة قام مقام نكرة، فأفاد فائدته، فحسن أن ينصب بما نصب به لقيامه مقامه، وأما ههنا فلا يحسن أن يقوم المعرفة مقام الحال؛ لأن الحال لا تكون إلا نكرة، وهو معرفة؛ فلا يفيد أحدهما ما يفيده الآخر؛ فلا يجوز أن يقام مقامه؛ فلا يجوز أن ينصب بما نصب به.

وأما قولهم: "إن الحال قد جاء معرفة في قولهم: أرسلها العراك، وطلبته جهدك، ورجع عوده على بدئه" قلنا: هذه الألفاظ مع شذوذها وقلتها ليست أحوالا، وإنما هي مصادر دلت على أفعال في موضع الحال، فإذا قلت "أرسلها العراك" فالتقدير فيه: أرسلها تعترك العراك، على معنى تعترك الاعتراك، فأقاموا "العراك" مقام الاعتراك، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ أنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتا} [نوح: ١٧] ثم حذفوا "تعترك" وهو جملة في موضع الحال، وأقاموا المصدر دليلا

<<  <  ج: ص:  >  >>