للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على كم؛ لأن كم للعدد والتكثير، ورب للعدد والتقليل "قلنا: لا نسلم أنها للعدد، وإنما هي للتقليل فقط، على أن "كم" إنما حكم بأنها اسم لأنه يحسن فيها علامات الأسماء، نحو حروف الجر، نحو: بكم رجل مررت، وما أشبه ذلك. وجواز الإخبار عنه، نحو: كم رجلا لحاك، وهذا غير موجود في "رب" فدل على الفرق بينهما.

وأما قولهم: "إنها تخالف حروف الجر في أربعة أشياء: أحدها أنها لا تقع إلا في صدر الكلام: قلنا: إنما لا تقع إلا في صدر الكلام لأن معناها التقليل، وتقليل الشيء يقارب نفيه، فأشبهت حرف النفي، وحرف النفي له صدر الكلام.

وقولهم في الثاني "إنها لا تعمل إلا في نكرة" قلنا: لأنها لما كان معناها التقليل والنكرة تدل على الكثرة وجب ألا تدخل إلا على النكرة التي تدل على الكثرة؛ ليصح فيها معنى التقليل.

وقولهم في الثالث: "إنها لا تعمل إلا في نكرة موصوفة" قلنا: لأنهم جعلوا ذلك عوضًاعن حذف الفعل الذي تتعلق به، وقد يظهر ذلك الفعل في ضرورة الشعر.

وقولهم في الرابع: "إنه لا يجوز إظهار الفعل الذي تعلق به "قلنا: فعلوا ذلك إيجازا واختصارا، ألا ترى أنك إذا قلت: رب رجل يعلم" كان التقدير فيه: رب رجل يعلم أدركت، أو لقيت؛ فحذف لدلالة الحال عليه، كما حذفت في قوله تعالى: {وَأدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} [النمل: ١٢] إلى قوله تعالى: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} [النمل: ١٢] ولم يذكر مرسلا؛ لدلالة الحال عليه. والحذف على سبيل الوجوب والجواز لدلالة الحال عليه، والحذف على سبيل الوجوب والجواز لدلالة الحال كثير في كلامهم.

وأما قولهم: "إنه يدخله الحذف، والحذف لا يدخل الحرف" قلنا: لا نسلم؛ فإنه قد جاء الحذف في الحرف؛ فإن "أن" المشددة يجوز تخفيفها، وهي حرف، وكذلك حكى أبو العباس أحمد بن يحيى من أصحابكم في "سوف" [سف أفعل، و١ سو أفعل] فحذفتم الواو والفاء، وإذا جاز عندكم حذف حرفين فكيف يجوز أن تمنعوا جواز حذف حرف واحد؟ والله أعلم.

يقول المعتز بالله تعالى وحده، أبو رجاء محمد محيي الدين بن عبد المجيد: الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.


١ زيادة يقتضيها الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>