يكاد يوجد في كتاب الله تعالى نداء ينفك عن أمر أو نهي" قلنا: لا نسلم، بل يكثر مجيء الخبر والاستفهام مع النداء كثرة الأمر والنهي، أما الخبر فقد قال الله تعالى:{يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}[الزخرف: ٦٨] ، وقال تعالى في موضع آخر:{يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ}[مريم: ٤٥] ، وقال تعالى في موضع آخر:{يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا}[يوسف: ٤]
وقال تعالى في موضع آخر:{يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ}[يوسف: ١٠٠] ، وقال تعالى في موضع آخر:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}[يونس: ٢٣] وقال تعالى في موضع آخر: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ}[فاطر: ١٥] إلى غير ذلك من المواضع، وأما الاستفهام فقد قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِي لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التحريم: ١] ، وقال تعالى في موضع آخر:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}[الصف: ٢] ، وقال تعالى في موضع آخر {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ}[مريم: ٤٢] ، وقال تعالى في موضع آخر:{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ}[غافر: ٤١] إلى غير ذلك من المواضع؛ فإذا كثر مجيء الخبر والاستفهام كثرة الأمر والنهي فقد تكافآ في الكثرة؛ فلا مزية لأحدهما عن الآخر.
وأما قولهم "إنه لا يحسن اقتران الزمان بهما؛ فلا يقال: نعم الرجل أمس، ولا بئس الغلام غدًا، ولا يجوز تصرفهما" فنقول: إنما امتنعا من اقترانهما بالزمان الماضي، وما جاء التصرف لأن "نعم" موضوع لغاية المدح و "بئس" موضوع لغاية الذم؛ فجعل دلالتهما مقصورة على الآن؛ لأنك إنما تمدح وتذم بما هو موجود في الممدوح أو المذموم، لا بما كان فزال، ولا بما سيكون ولم يقع.
وأما قولهم "إنه قد جاء عن العرب نَعِيْمَ الرَّجُلُ" فهذا مما ينفرد بروايته أبو علي قُطْرُب، وهي رواية شاذة، ولئن صحت فليس فيها حجة؛ لأن نِعْمَ أصله نَعِمَ على وزن فعل -بكسر العين- فأشبع الكسرة فنشأت الياء كما قال الشاعر:
[١٣]
تَنْفِي يَدَاهَا الحَصَى في كل هَاجِرَةٍ ... نَفْيَ الدَّرَاهِيم تَنْقَادُ الصَّيَارِيفِ
أراد الدرهم والصيارفَ، والذي يدلّ على أن أصل نِعْمَ نَعِمَ أنه يجوز فيها أربع لغات: نعم -بفتح النون وكسر العين- على الأصل، ونعم -بفتح النون وسكون العين- ونعم -بكسر النون والعين- ونعم -بكسر النون وسكون العين.
فمن قال نعم -بفتح النون وكسر العين- أتى بها على الأصل كقراءة ابن