وإن قلنا الاستثناء متصل، فالإشكال حاصل لعدم تحقق خبر أبي هريرة الصحيح ومطابقته للواقع، وينزاح الإشكال بأن نقول: إن أبا هريرة نظر لقضية الأخذ والرواية والكتابة، ولم ينظر إلى الأداء، وما اطلع الغيب ليعلم أن ما ينقله الرواة عنه سيكون أكثر مما ينقلونه عن ابن عمرو، وإنما وقف على حال الأمر, وهو أن ابن عمرو، كتب الكثير وأخذ. بقي أن يفحص عن أسباب قلة المروي عنه لا أن يشكك في خبر أبي هريرة. وأهم تلك الأسباب التي أدت إلى قلة الرواية عن عبد الله بن عمرو نسبيا عمن زاد عنه يتمثل فيما يأتي:
١- كان عبد الله مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم.
٢- كان أكثر مقامه بمصر أو بالطائف, ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة، وكان أبو هريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات, ويتضح هذا من كثرة من حمل عنه كما مر بك.
٣- ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا ينسى ما يحدثه به.
٤- كان عبد الله قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيها ويحدث منها، فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين.
وهنا يظهر صدق حدس هذه الأمة ويقظة ضميرها وانتباهها في الرواية وتمييزها بين الغث والسمين، فلتخرس ألسنة الأفاكين الذين يريدون النيل من الحديث والمحدثين من خلال انتقاص رواته الأولين.