للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم يتبع هذا نهي عن محاكاة المعرضين تعزيز عن التشبه بهم باعتبارهم أحط الدواب, وأسوأها وأشدها شرًّا وأبعدها عن دائرة التعقل والتأمل؛ فهم معطلون لحواسهم غير منتفعين بنعم الله عليهم، ثم يجيء هذا الأمر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} ١.

وهكذا أوجب الاستجابة للرسول كما أوجب له الاستجابة تعالى والمعنى كما يقول صاحب المنار: "وإذا علمتم ما فرضنا عليكم من الطاعة، وشأن سماع التفقه من الهداية، وقد دعاكم الرسول بالتبليغ عن الله لما يحييكم فأجيبوا الدعوة بعناية وهمة، وعزيمة وقوة، فهو كقوله تعالى: {خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} والمراد بالحياة هنا حياة العلم بالله تعالى وسننه في خلقه، وأحكام شرعه, والحكمة, والفضيلة, والأعمال الصالحة التي تكمل بها الفطرة الإنسانية في الدنيا, وتستعد للحياة الأبدية في الآخرة، وقيل: المراد بالحياة هنا الجهاد في سبيل الله؛ لأنه سبب القوة والعزة والسلطان, والصواب أن الجهاد يدخل فيما ذكرنا, وليس هو الحياة المطلوبة، بل هو وسيلة لتحققها, وسياج لها بعد حصولها، وقيل: هي الإيمان والإسلام، وإنما يصح باعتبار ما كان يتجدد من الأحكام، وثمرته في القلوب والأعمال، بما في الاستجابة من معن المبالغة في الإجابة، وإلا فالخطاب للمؤمنين، وقيل: هي القرآن, ولا شك أنه ينبوعها الأعظم، الهادي إلى سبيلها الأقوم، مع بيانه من


١ سورة الأنفال: ٢٤.

<<  <   >  >>