سليمان: أمير المؤمين أعلم بما يقول، فلما دخل ابن شهاب وسأله عما سأل عنه سليمان فأجاب بما أجاب، قال له هشام: كذبت الذي تولى كبره منهم هو علي بن أبي طالب، عند ذلك قال الزهري: أنا أكذب لا أبا لك والله لو نادى مناد أن الكذب مباح ما كذبت، ثم ساق رواية تثبت أن الذي تولى كبره هو ابن أبي.
ما كان لابن شهاب أن يصانع، وكذب من رماه بالوضع، فلو وضع حديثا واحدا لضاع رأسماله من الثقة التامة التي أولاه إياها العامة، ومتى أتيح له أن يضع وأن يكذب لصالح الأمويين وصد ابن الزبير؟ إن التاريخ نفسه يحيل هذا ويكذب قائله، فابن شهاب ولد سنة خمسين، والخلاف بين عبد الملك وابن الزبير كان بين سنتي خمس وستين واثنتين وسبعين في بداية طلب ابن شهاب وحظه من الشهرة غير كبير، والثابت أنه لقي عبد الملك سنة اثنتين وثمانين بعد حسم الخلاف باستشهاد بن الزبير بتسع سنين. فما فائدة الوضع في هذا الحين؟ كبرت كلمة تخرج من فم اليعقوبي وجولدتسيهر أن يقولان إلا كذبا، وإن ادعاءهما على الزهري واتهامه بوضع الحديث وتعليل ذلك بأنه كان صديق عبد الملك بن مروان ليس إلا محض افتراء، لأنه يصغر عبد الملك بأربعة وعشرين عاما، ولما قدم دمشق أدخله قبيسة بن أبي ذؤيب على عبد الملك الذي ذكره بأن أباه اشترك مع ابن الزبير في الثورة عليه، كيف يكون هو صديقا له وأبوه من الثائرين عليه؟
وحديث:"لا تشد الرحال ... " إلى آخره. الذي اتهم الزهري بوضعه حديث صحيح من أعلى درجات الصحيح, حيث اتفق الشيخان على إخراجه، قد صح