وقد طلب لمنصب القضاء فأبى, وضربه ابن هبيرة يزيد بن عمر من أجل ذلك مائة جلدة فما لان وما استكان, وظل متعففا يقتات من الرزق الحلال إلى أن وافاه الأجل سنة خمسين ومائة.
ورغم كثرة مادحيه وجد له خصوم قادحون فيه ما سلم منهم في حياته, ولا كف أذاهم عنه بعد مماته؛ اتهموه بأنه قدري تارة, ومرجئ تارة أخرى, ونسبوه إلى الرأي وجردوه له، فهو لا يأخذ إلا به وبالقياس المتفرع عنه, ويهمل الحديث ويعمل العقل، وراح الخطيب ومن قبله ابن حبان يطيلان في ذكر مثالبه ونقض وهدم مناقبه.
وقد استحق الخطيب كما استحق غيره شدة التأنيب على ذكر الروايات التي تغض من قدر الإمام، ولا أدل على ضعفها, بل واختلاقها من نسبتها إلى الأئمة الذين نقل عنهم في الأصح والأرجح مدح الإمام ووصفه بما يستحقه، كمالك والشافعي وأحمد وابن معين وابن المبارك والسفيانين والأوزاعي, الذي قيل١: إنه كان يسيء الظن بأبي حنيفة حين بدأ يشتهر أمره, ولم يكن قد اجتمع به بعد حتى قال مرة لعبد الله بن المبارك: من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة، ويكنى أبا حنيفة؟ فلم يجبه ابن المبارك، بل أخذ يذكر مسائل عويصة وطرق فهمها والفتوى فيها, فقال الأوزاعي: من صاحب هذه الفتاوى؟ فقال: شيخ لقيته بالعراق، فقال الأوزاعي: هذا نبل من المشايخ، اذهب فاستكثر منه، قال ابن المبارك: هذا أبو حنيفة.