ثم اجتمع الأوزاعي وأبو حنيفة بمكة, فتذاكرا المسائل التي ذكرها ابن المبارك فكشفها، فلما افترقا: قال الأوزاعي لابن المبارك، غبطت الرجل بكثرة علمه ووفور عقله وأستغفر الله تعالى، لقد كنت في غلط ظاهر, الزم الرجل, فإنه بخلاف ما بلغني عنه.
وقد كانت الأصول التي اعتمد عليها الإمام في استنباط الأحكام, تتمثل في الكتاب: يأخذ به، فإن لم يجد, أخذ بالسنة, فإن لم يجد, أخذ بأقوال الصحابة متخيرا منها, فإن لم يجد اجتهد رأيه فقاس أو استحسن.
وليس هناك تباين بين هذه الأصول, وبين ما جرى عليه بقية الأئمة المجتهدين, وكان بعض حق الإمام أن يجري ذكره عبقا عطرا على مر الزمان يلهج بالثناء عليه كل لسان, ويتضوع أريج ذكراه في كل مكان, ولكن كيف وتغاير العلماء وتنافر المتعاصرين؟ من هنا أثيرت ضجة كبرى حول الإمام تكيل له الاتهام وترميه بزور الكلام، وكان وراء هذه الضجة الأسباب الآتية:
١- كان أبو حنيفة أول من توسع في استنباط أحكام الفقه من أئمة عصره, وأسبق من فرع الفروع على الأصول, ووضع افتراضات لأمور لم تقع, وإنما قدر احتمال وقوعها وضرورة الاستعداد لها.
وكان أكثرهم يكرهون ذلك. نقلوا عن زيد بن ثابت أنه كان إذا سئل عن مسألة, يقول: هل وقعت؟ فإن قالوا: لا, قال: ذروها حتى تقع