أما أبو حنيفة فكان المجتهد الذي يمهد الفقه للناس ولأصل المسائل ويستعد للبلاء قبل قوعه.
٢- عرف عن أبي حنيفة تشدده في قبول الأخبار, واشتراطه شروطا أصعب مما اشترط المحدثون مما جعله يضعف أحاديث يقبلها أكثرهم، وقد حداه إلى ذلك انتشار الوضع في الحديث سيما وكان العراق بلد الشقاق يفور بقيادات فكرية متنافرة وخلافات مذهبية متناحرة, فهو مرتع خصب للإفك والكذب فعنَّ للإمام أن يبالغ في التثبت والاحتياط.
٣- وعلى العكس من ذلك كان يحتج بالمرسل إذا كان الذي أرسله ثقة خلافا لما ذهب إليه جمهور المحدثين، مما جعله يستل بأحاديث هي عندهم ضعيفة لا يحتج بها.
٤- ونتيجة لتضييق أبي حنيفة من دائرة العمل بالحديث في الحدود التي رسمها واطمأن إليها، واضطر إلى القياس وإعمال الرأي.
وقد آتاه الله فيه موهبة عجيبة فذة لا مثيل لها، ولا ريب أن استعماله القياس إلى مدى واسع باعد الشقة بينه وبين أهل الحديث، كما بالمدينة, وبين بعض الفقهاء الذين لا يستعملون القياس إلا في نطاق ضيق.
٥- كان أبو حنيفة دقيق المسلك في الاستنباط دقة عجيبة بعيدة المدى, قادرا على تقلب وجوه الرأي في كل مسألة لدرجة تذهل وتدهش.
"أخرج ابن أبي العوام بسنده إلى محمد بن الحسن قال: كان أبو حنيفة قد حمل إلى بغداد, فاجتمع أصحابه وفيهم أبو يوسف وزفر وأسد بن عمرو