للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعامة الفقهاء المتقدمين من أصحابه فعملوا مسألة أيدوها بالحجاج وتفوقوا في تقديمها وقالوا: نسأل أبا حنيفة أول ما يقدم، فلما قدم أبو حنيفة كان أول مسألة سئل عنا تلك المسألة، فأجابهم بغير ما عندهم فصاحوا من نواحي الحلقة: يا أبا حنيفة بلدتك الغربة، فقال لهم: رفقا رفقا ماذا تقولون؟ قالوا: ليس هكذا القول، قال: عال, أبحجة أم بغير حجة؟ قالوا: بحجة، قال: هاتوا، فناظرهم فغلبهم بالحجاج حتى ردهم إلى قوله، وأذعنهم أن الخطأ منهم، فقال لهم: أعرفتم الآن؟ قالوا: نعم، قال: فما تقولون فيمن يزعم أن قولكم هو الصواب، وأن هذا القول خطأ؟ فقالوا: لا يكون ذاك، قد صح هذا القول، فناظرهم حتى ردهم عن القول، فقالوا: يا أبا حنيفة ظلمتنا والصواب كان معنا، قال: فما تقولون فيمن يزعم أن هذا القول خطأ، والأول خطأ والصواب قول ثالث؟ فقالوا: هذا لا يكون، قال: فاجتمعوا واخترع قولا ثالثا، وناظرهم عليه حتى ردهم إليه فأذعنوا، وقالوا: يا أبا حنيفة علمنا، قال: الصواب هو القول الأول الذي أجبتكم به لعلة كذا وكذا، وهذه المسألة لا تخرج من هذه الثلاثة الأنحاء، ولكل منها وجه في الفقه ومذهب، وهذا الصواب فخذوه وارفضوا ما سواه"١.

ليس يرتبا عاقل في أن من أوتي القدرة العجيبة على تقليب وجه الرأي في المسألة الواحدة والاستعداد للدفاع عن كل رأي محتمل، رجل كهذا أوتي براعة كتلك في استطاعته كما يقول مالك وقد سئل:


١ السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص٤٠٥-٤٠٦.

<<  <   >  >>