بل وأكثر من ذلك نجده يقدم الحديث الضعيف على القياس والرأي, وعلى ذلك انبنى مذهبه.
قال العلامة ابن القيم:"وأصحاب أبي حنيفة رحمه الله يجمعون على أن مذهب أبي حنيفة: أن ضعيف الحديث عنده أولى من القياس والرأي, وعلى ذلك بنى مذهبه كما قدم حديث القهقهة مع ضعفه على القياس والرأي, وقدم حديث الوضوء بنبيذ التمر في السفر مع ضعفه على الرأي والقياس, ومنع قطع السارق بسرقة أقل من عشرة دراهم والحديث فيه ضعف, وجعل أكثر الحيض عشرة أيام والحديث فيه ضعيف, وشرط في إقامة الجمعة المصر والحديث فيه كذلك, وترك القياس في مسائل الآبار لآثار فيه غير مرفوعة.
فتقدم الحديث الضعيف وآثار الصحابة على القياس والرأي قوله وقول الإمام أحمد, وليس المراد بالحديث الضعيف في اصطلاح السلف هو الضعيف في اصطلاح المتأخرين, بل ما يسميه المتأخرون حسنا قد يسميه المتقدمون ضعيفًا"١.
ويترامى رنين صوت الادعاء بأن الإمام أبو حنيفة كان قليل البضاعة في الحديث, ويتناقل البعض هذه القضية تارة بحسن نية, وأخرى بخبث وسوء طوية, وإن المرء ليبلغ به الاندهاش مداه إزاء هذا الاتجاه الذي يحرص أصحابه على انتقاص قدر الأئمة والنيل منهم.
وإمام ينتشر مذهبه ويكثر أتباعه إلى حد عشرات الملايين بل مئاتها, كيف يسوغ اتهامه بقلة البضاعة فيما تنبني عليه استنباطاته وأحكامه؟