مما لا ريب فيه أن عمر الإمام المديد مكنه من أن يخلف بعده الأثر المجيد والتراث الزاخر التليد, فقد أنفق جل وقته في خدمة العلم دراسة وفهما وإتقانا وهضما, ثم بكر بإفراز ما فهم وهضم حتى قيل: إنه جلس للإفتاء والتحديث, وهو في السابعة عشرة من عمره, وإن استبعد الشيخ أبو زهرة ذلك, فالقريب الذي لا ينكر أنه تصدر للفتوى والتحديث زمنا طويلا يقارب الثلاثة أرباع قرن, وكان يخصص للفقه أياما وللحديث أخرى قد امتاز, عن أقرانه بالسبق إلى تصنيف أكبر وأقدم مدون حديثي فقهي.
ولا يعترض على ذلك بما دونه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أو ابن شهاب الزهري أو بما عثر عليه من صحف للصحابة الكاتبين أو المستكتبين أو للتابعين رضي الله عنهم أجمعين, فلا سبيل إلى المقارنة بين ذلك كله وبين مصنف الإمام حجما وشهرة وحسن ترتيب وتبويب وتفننا في التصنيف والتأليف.
والناظر إلى آثار الإمام يلحظ أن أولها في القديم وأولاها بالتعظيم كتاب الموطأ ولتعلمن نبأه بعد حين.
ومن تراث مالك المنسوب وإن كان يجمع تلاميذه كتاب "المجالسات" لابن وهب، دون فيه ما سمعه من إمامه في مجالسه. وهو مجلد يشتمل على أحاديث وآثار وآداب رواها عن مالك. ومنه رسالة في القدر" أرسلها إلى تلميذه ابن وهب ورواها هذا عنه، ومنه "رسالته