عن جهود الشافعي في السنة حدث بإسهاب, وأطنب ما وسعك الإطناب, فلقد كان رضي الله عنه فائق العناية بالحديث والمحدثين, شديد الاهتمام بالأصلين الأصيلين للدين, فكان أعلم أهل عصره بمعاني القرآن والسنة, وقد جمع في مذهبه بين أطراف الأدلة مع الإتقان والتحقيق والغوص على المعاني.
ولقد عرف فضله على المشتغلين بالأثر, وذلك بإظهار معاني السنن ومعالمها, وامتشاقه الصارم المسلول في وجه كل من اجترأ على الحديث وأهله, أو آثر على القرآن والسنة سواهما. فها هو ذا يشتد على أهل الأهواء وكثيرا ما نهى عن ترك الكتاب والسنة إلى غيرهما من آراء الناس وأهوائهم، وقال: لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد. وقال: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد, ويطاف بهم في القبائل وينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام.
وقال: إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأنما رأيت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, جزاهم الله خيرًا, حفظوا لنا الأصل, فلهم علينا الفضل. ومما قاله نظما في هذه المعنى:
كل العلوم سوى القرآن مشغلة ... إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا ... وما سوى ذاك وسواس الشياطين
ولقد صدق قول الزعفراني: كان أصحاب الحديث رقودًا, فأيقظهم الشافعي. فبم أيقظهم؟ بخدمته الجادة الدءوبة للسنة من خلال ذوده عن