حياضها, ومنافحته عن أهلها, أقام الحجج والبراهين على حجيتها, والتمس اعتماد خبر الواحد والركون إليه من آكد الوجوه, وبالغ في الرد على مهمليه, ولو وقفت على كتابه "الأم" المنسوب إليه قطعا, لبدت لك قطعية أدلته, وسلامة حجته, فكيف بك إذا قرأت الرسالة التي يكفيها تقريظا ومدحا أنها من تصنيف الشافعي؟ كتبها مرتين قديما في مكة, ثم أرسلها إلى عبد الرحمن بن مهدي ببغداد, ويبدو أن ذا سر تسميتها بالرسالة، كان ابن مهدي قد طلب إليه أن يكتب له كتابا في معاني القرآن, فكتب له مجيبا طلبه, ثم أعادها الشافعي بمصر إملاء على الربيع, وهي أصل الأصول لكتب الأصول بين فيها منزلة السنة من الكتاب, ووجه بيانها له, ثم تكلم عن الناسخ والمنسوخ في تثبت ورسوخ, ثم سرد وجوها من الفرائض والأحكام, ثم أورد وجوها من علل الحديث, ثم تكلم عن العلم وأردفه بالحديث عن خبر الواحد والإجماع والقياس والاجتهاد والاستحسان والاختلاف؛ كل ذلك في أدب راق ورائق, وفي أسلوب مشوق فائق, وليس لمشتغل بالحديث أو الفقه أو الأصول أو التفسير غنى عن قراءة كتاب "الرسالة", ومن كتب الشافعي المتداولة المطبوعة كتاب "اختلاف الحديث".
وقد طبع في حاشية الجزء السابع من كتاب "الأم" بمطبعة، بولاق, ثم حققه السيد عامر أحمد حيدر, وقدم له مقدمة طيبة, وخرج أحاديثه, وجاء الكتاب في ثلاثمائة وست عشرة صفحة.
ويعنى باختلاف الحديث أو مختلفه إتيان حديثين متضادين في المعنى ظاهرًا, فإن أمكن التوفيق بينهما صير إليه, وإلا حاولنا الترجيح بينهما