ويصف هذه المواقف العظيمة ويسجلها لأنصار الحق, عروةُ بن مسعود بن معتب الثقفي, سفير قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ومفاوضهم الأول بعد أن أبلغهم بديل بن ورقاء بنية المسلمين وقصدهم, فلم يقبلوا منه ذلك واتهموه بمصانعتهم، ويعنينا من وصف عروة الجزء أو القدر الذي يجري فيه الحق على لسانه شهادة تالدة خالدة لخير قرن وخير أمة.
ولا يفوتنا أن نسجل موقف الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة بن مسعود, فعروة عمه, لكن ولاءه لدينه وعقيدته, قال عروة بعد أن أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ما أعلمه بديلا: "أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك, هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فإني والله لا أرى وجوها, وإني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: امصص بظر اللات١.
أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كان لك عندي لم أجزك بها لأجبتك قال:
وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم, فكلما تكلم أخذ بلحيته, والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه سلم ومعه السيف وعليه المغفر
١ بظر: بفتح وسكون قطعة لحم تبقى في فرج المرأة بعد الختان, وهو تحقير من أبي بكر لعقيدة عروة وطاغيته اللات, وتسفيه لادعائه وأضرابه أن اللات بنت الله, فلو كانت كذلك لكان لها مثل ما للنساء, وقد غضب أبو بكر لله حين اتهم أصحاب النبي بالفرار, وبأنهم أشواب أي أخلاط أو أوباش بمعنى أخلاط من السفلة, وفيه إباحة ذكر ما يستبشع من الألفاظ للتغليظ على أهل الباطل إخزاء لهم.