وصلاته وصيامه وحجه إلى غير ذلك مما يبلغ في الشهرة والكثرة حد الاستغناء عن المثال.
أضف إلى كل ما سبق حرص الصحابة على تمام الاستفادة من معلمهم الأعظم صلى الله عليه وسلم, وحلاوة الاستمتاع بمخالطته ومعايشته، ثم ولا بد أن يعلم أن الذي تكفل بحفظ القرآن كان ولابد أن يحفظ البيان له, وأن يهيئ كل الوسائل اللازمة لذلك, وأن يحفظ الهمم, وأن يقوي العزائم على خدمة السنة الغراء, والنهوض بواجب تبليغها وصيانتها من ضياعها, أو ضياع شيء منها أو امتداد يد العبث إليها, ونستطيع أن نؤكد واثقين مطمئنين أن الحديث كله حفظ بواسطة الصحابة أجمعين, ولم تغب جزئية من جزئياته عن مجموعهم, فإن غابت عن البعض فلا بد وأن تكون موجودة عند البعض الآخر, ولا يعقل ولا يقبل أن شيئا من السنن قد ضاع أو غفل عنه؛ لأن معنى ذلك ضياع شيء من الدين ونقصان فيما أحكم الله إكماله, واتهام لمن بلغوا القمة في حسن الالتزام بالتقصير والتفريط في واجبهم, وهم أعلى وأجل من أن يضيع منهم شيء كثر أو قل من السنة.
"ويخطئ من يدعي أن بعض السنن فات الصحابة جميعا بعد أن رأينا مدى عنايتهم بها, وحرصهم عليها فكيف يغيب عنهم شيء منها, وهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نيفا وعشرين عاما قبل الهجرة وبعدها, فحفظوا عنه أقواله وأفعاله ونومه ويقظته وحركته وسكونه وقيامه وقعوده واجتهاده وعبادته وسيرته وسراياه ومغازيه، ومزاحه وزجره، وخطبه وأكله وشربه، ومعاملته أهله، وتأديبه فرسه، وكتبه إلى المسلمين