وأنحائها فيقضون الأيام وربما الشهور ينهلون ويتعلمون, ثم يعودون إلى ذويهم معلمين مبلغين كثيرا ما يطيب لبعضهم المقام في الجوار النبوي, فلا يقوون على مفارقة النبي صلى الله عليه وسلم, ثم إنهم لم ينقطعوا للتلقي, ولم يتواكلوا فيقعدوا عن طلب الرزق, وإنما سعوا في مناكب الذلول ليأكلوا من رزق ربهم ويشكروا له, ولم تملكهم الدنيا, ولا منعهم السعي على المعاش من تحصيل ما يأتي به الوحي, وإنما جمعوا خيري الأمرين, فإذا انشغل أحدهم بالسعي على عياله, استناب أحد جيرانه أو آله في حضور مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليأتيه بخبر ذلك اليوم الذي استنابه فيه, ويأخذ كل من المستنيب والمستناب نوبته, وعلى هذا المعنى ترجم البخاري في صحيحه باب التناوب في العلم.
من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه, قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوما وأنزل يوما, فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره, وإذا نزل فعل مثل ذلك, فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته, فضرب بابي ضربا شديدا, فقال: أثم هو؟ ففزعت فخرجت إليه, فقال: قد حدث أمر عظيم، فدخلت على حفصة, فإذا هي تبكي, فقلت: أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري, ثم دخلت على النبي صلى الله عليه سلم, فقلت وأنا قائم: أطلقت نساءك؟ قال:"لا"، قلت: الله أكبر١.
١ صحيح البخاري بهامش فتح الباري ج١ ص١٩٥, كتاب العلم, باب التناوب في العلم.