للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معنى هذا أن البعض قد يكتفي بحضور البعض, وأنهم لم يلتزموا بالسماع مشافهة من النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما كانوا عدولا مأمونين, يثق بعضهم في بعض, ولا يتطرق الشك إليهم, وقد عبر الصحابي الجليل البراء بن عازب الأوسي عن أخذ بعضهم عن بعض، فقال: "ما كل الحديث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدثنا أصحابنا, وكنا مشتغلين برعاية الإبل وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون ما يفوتهم سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيسمعونه من أقرانهم وممن هو أحفظ منهم, وكانوا يشددون على من يسمعون منه"١.

والنصوص في إقبال الصحابة على تلقي الكتاب والسنة كثيرة مستفيضة, والذي يتبادر إلى الذهن في هذا الصدد هو أن الصحابة رضوان الله عليهم ملك عليهم القرآن عقولهم ومشاعرهم وعكفوا على حفظه وتلاوته وتدبر معانيه واستنباط أحكامه وفهم مراميه, وكان يسمع لهم به دوي كدوي النحل.

ولم تكن السنة عندهم أقل درجة من القرآن, وإنما تواكب اهتمامهم به مع اهتمامهم بها. نعم من الثابت أنهم عنوا بكتابة القرآن أكثر مما عنوا بكتابة الحديث, بل ثبت نهيهم عن كتابة شيء غير القرآن, وأمروا بمحو كل ما كتبوه من سواه خوفا من أن يختلط القرآن بغيره, ومن اتكالهم على الكتابة, وتركهم إعمال الذهن, فلما أمن ذلك منهم أذن لهم في كتابة الحديث. ومن الحقائق المطوية في ثنايا الكتب أن الكثير من الحديث النبوي دون في العهد


١ معرفة علوم الحديث ص١٤.

<<  <   >  >>