للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال النووي رحمه الله: "أي: خالطته مخالطة يتغيرُ بها طعمُه أو ريحُه لشدّة نتنها وقبحها. وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئًا من الأحاديث يبلغُ في الذمّ لها هذا المبلغ" (١).

وفي عون المعبود: "أي: لو خلط (بها) أي: على فرض تجسيدها وتقدير كونها مائعًا (البحر) أي: ماؤه (لمزجته) أي: غلبته وغيرته وأفسدته" (٢).

وهذا يدل على عظم خطر الغيبة، وإذا كان مجرد الإشارة عن صفية بقصرها عدّها النبي -صلى الله عليه وسلم- كلمة عظيمة، لو قدر مزج ماء البحر بها لغيرته على عظم البحر واتساعه، وصعوبة تغيره لشدة ملوحته، فكيف بما هو أشد من الإشارة؟!

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ» (٣).

وكفى بهذه العقوبة رادعًا وزاجرًا عن هذا الذنب العظيم، لو تخيل المغتاب هذه العقوبة لفر هاربًا هائمًا على وجهه من هذه الخطيئة، أي ألم حسي ونفسي يشعر به هؤلاء المغتابون وهم يجرحون بأظفار من نحاس قوية شديدة الأثر تنغرس في أشرف ما فيهم وجوههم، وإذا الدماء والصراخ والعويل، ثم ينزلون بأظفارهم إلى صدورهم، فيخمشونها ويجرحونها، ثم تستمر العقوبة لا تتوقف عنهم، ومعها الآلام والحسرات، في مشهد تنخلع منه القلوب؟!


(١) الأذكار (٣٣٨).
(٢) عون المعبود وحاشية ابن القيم (١٣/ ١٥١).
(٣) أخرجه أحمد (٢١/ ٥٣) ح (١٣٣٤٠)، أبو داود (٤/ ٢٦٩) ح (٤٨٧٨)، ومعجم الطبراني الأوسط (١/ ٧) ح (٨)، وصحح إسناده الضياء في المختارة (٦/ ٢٦٥) ح (٢٢٨٦)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٣/ ٧٩) ح (٢٨٣٩)، وصحح إسناده محقق المسند ح (١٣٣٤٠).

<<  <   >  >>