أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى الْمُضِلَّ الْفَاتِنَ الْمَاكِرَ، تَعَالَى عَنْ قَوْلِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ - سُبْحَانَهُ - مِنْهَا إِلَّا أَفْعَالٌ مَخْصُوصَةٌ مُعَيَّنَةٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِأَسْمَائِهَا الْمُطْلَقَةِ. وَقَالَ السَّعْدُ: فَإِنْ قِيلَ قَدْ وَجَدْنَا مِنَ الْأَوْصَافِ مَا يَمْتَنِعُ إِطْلَاقُهُ مَعَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ، كَالْمَاكِرِ وَالْمُسْتَهْزِئِ، وَالْمُنْزِلِ وَالْمُنْشِئِ، وَالْحَارِثِ وَالزَّارِعِ، وَالرَّامِي، أَيْ وَالْبَانِي وَالْآمِرِ وَالنَّاهِي، قُلْنَا: لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ الِاجْتِرَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مُجَرَّدُ وُقُوعِهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ الْمَقَامُ وَانْتِسَاقُ الْكَلَامِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ لَا يَخْلُوَ عَنْ نَوْعِ تَعْظِيمٍ وَرِعَايَةِ أَدَبٍ، وَمَا قَبْلَ هَذَا أَوْضَحُ مِنْهُ وَأَتَمُّ فَائِدَةً.
[التنبيه الثاني إطلاق الاسم يجيز إطلاق المصدر والفعل]
الثَّانِي
أَنَّ الِاسْمَ إِذَا أُطْلِقَ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى، جَازَ أَنْ يُشْتَقَّ مِنْهُ الْمَصْدَرُ وَالْفِعْلُ، فَيُخْبَرُ بِهِ عَنْهُ فِعْلًا وَمَصْدَرًا، نَحْوَ السَّمِيعِ الْبَصِيرِ الْقَدِيرِ، يُطْلَقُ عَلَيْهِ مِنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْقُدْرَةِ، وَيُخْبَرُ عَنْهُ بِالْأَفْعَالِ مِنْ ذَلِكَ نَحْوَ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} [المجادلة: ١] ، {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات: ٢٣] ، هَذَا إِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُتَعَدِّيًا، فَإِنْ كَانَ لَازِمًا، لَمْ يُخْبَرْ عَنْهُ بِهِ، نَحْوَ الْحَيِّ يُطْلَقُ الِاسْمُ وَالْمَصْدَرُ دُونَ الْفِعْلِ، فَلَا يُقَالُ حَيَّ.
[التنبيه الثالث إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل العلم]
الثَّالِثُ
إِحْصَاءُ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَالْعِلْمُ بِهَا أَصْلُ الْعِلْمِ بِكُلِّ مَعْلُومٍ، فَإِنَّ الْمَعْلُومَاتِ سِوَاهُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ خُلُقًا لَهُ - تَعَالَى - أَوْ أَمْرًا، وَالْعِلْمُ إِمَّا عِلْمٌ بِمَا كَوَّنَهُ، أَوْ عِلْمٌ بِمَا شَرَعَهُ، وَمَصْدَرُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ عَنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَهُمَا مُرْتَبِطَانِ بِهَا ارْتِبَاطَ الْمُقْتَضَى بِمُقْتَضِيهِ، فَالْأَمْرُ كُلُّهُ مَصْدَرُهُ عَنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَلِهَذَا كُلِّهِ حُسْنٌ لَا يَخْرُجُ عَنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ بِهِمْ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ بِتَكْمِيلِهِمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ، فَأَمْرُهُ كُلُّهُ مَصْلَحَةٌ، وَحِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَلُطْفٌ وَإِحْسَانٌ، إِذْ مَصْدَرُهُ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى، وَفِعْلُهُ كُلُّهُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَالرَّحْمَةِ، إِذْ مَصْدَرُهُ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى أَيْضًا، فَلَا تَفَاوُتَ فِي خَلْقِهِ وَلَا عَبَثَ، وَلَمْ يَخْلُقْ خَلْقَهُ بَاطِلًا وَلَا سُدًى وَلَا عَبَثًا، فَالْعِلْمُ بِأَسْمَائِهِ وَإِحْصَاؤُهَا أَصْلٌ لِسَائِرِ الْعُلُومِ، فَمَنْ أَحْصَاهَا كَمَا يَنْبَغِي لِلْمَخْلُوقِ، دَخَلَ الْجَنَّةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute