مِنَّا مَنْعُ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: ٧٢] ، وَقَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: ٢١] قَالَ: وَقَدْ جَعَلَ أَصْحَابُنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ فَهَهُنَا أَوْلَى، قَالَ: وَمَنَعَ مِنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَجَوَّزَهُ مِنْهُمُ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ. قَالَ فِي مَسَائِلِ حَرْبٍ: بَابُ مُنَاكَحَةِ الْجِنِّ ثُمَّ رَوَى عَنِ الْحُسْنِ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ وَإِسْحَاقَ كَرَاهَتَهَا، وَرَوَى مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ» .
وَعَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي جِنِّيَّةً أَتَزَوَّجُهَا تُصَاحِبُنِي حَيْثُ مَا كُنْتُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يَذْكُرْ حَرْبٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ شَيْئًا، وَعَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي الدِّينِ، وَلَكِنَّنِي أَكْرَهُ إِذَا وُجِدَتِ امْرَأَةٌ حَامِلٌ فَقِيلَ: مَنْ زَوْجُكِ؟ قَالَتْ: مِنَ الْجِنِّ، فَيَكْثُرُ الْفَسَادُ. انْتَهَى.
وَذَكَرَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ آثَارًا وَأَخْبَارًا عَنِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ تَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ التَّنَاكُحِ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ.
وَقَدْ حَدَّثَنِي بِوُقُوعِهِ جَمَاعَةٌ مَعَهُمْ أَنْفُسِهِمْ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ، وَإِنْ ظَهَرَ مَخَايِلُ ثُبُوتِهِ، فَأَنَا عَلَى شَكٍّ مِنْهُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[جنة النعيم للأبرار]
((وَجَنَّةُ النَّعِيمِ لِلْأَبْرَارِ ... مَصُونَةٌ عَنْ سَائِرِ الْكُفَّارِ))
((وَجَنَّةُ النَّعِيمِ)) : اعْلَمْ أَنَّ لِلْجَنَّةِ عِدَّةَ أَسْمَاءٍ بِاعْتِبَارِ صِفَاتِهَا، وَمُسَمَّاهَا وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ، فَهِيَ مُتَرَادِفَةٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهَكَذَا أَسْمَاءُ الرَّبِّ تَعَالَى، وَأَسْمَاءُ كِتَابِهِ، وَأَسْمَاءُ رُسُلِهِ، وَأَسْمَاءُ الْيَوْمِ الْآخِرِ، وَأَسْمَاءُ النَّارِ، فَالِاسْمُ الْعَامُّ الْجَنَّةُ الْمُتَنَاوِلُ لِتِلْكَ الدَّارِ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ النَّعِيمِ وَاللَّذَّةِ وَالْبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ، وَأَصْلُ اشْتِقَاقِهَا مِنَ السَّتْرِ وَالتَّغْطِيَةِ، وَمِنْهُ الْجَنِينُ لِاسْتِتَارِهِ فِي الْبَطْنِ، وَالْجَانُّ لِاسْتِتَارِهِمْ عَنِ الْعُيُونِ، وَالْمِجَنُّ لِسَتْرِهِ وَوِقَايَتِهِ الْوَجْهَ، وَالْمَجْنُونُ لِاسْتِتَارِ عَقْلِهِ وَتَوَارِيهِ، وَالْجَانُّ وَهِيَ الْحَيَّةُ الصَّغِيرَةُ الدَّقِيقَةُ، وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْبُسْتَانِ جَنَّةٌ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ دَاخِلَهُ بِالْأَشْجَارِ وَيُغَطِّيهِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ إِلَّا مَوْضِعٌ كَثِيرُ الشَّجَرِ مُخْتَلِفُ الْأَنْوَاعِ، وَالْجُنَّةُ بِالضَّمِّ مَا يُسْتَجَنُّ بِهِ مِنْ تُرْسٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة: ١٦] يَتَتَرَّسُونَ بِهَا مِنْ إِنْكَارِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ، وَمِنْهُ الْجِنَّةُ بِالْكَسْرِ، وَهُمُ الْجِنُّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute