بِمَا يَنْهَى، عَالِمٌ بِمَا يَأْمُرُ عَالِمٌ بِمَا يَنْهَى. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: النَّاسُ يَحْتَاجُونَ إِلَى مُدَارَاةٍ وَرِفْقٍ، الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِلَا غِلْظَةٍ إِلَّا رَجُلٌ مُعْلِنٌ بِالْفِسْقِ فَلَا حُرْمَةَ لَهُ. وَلِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنِ الْمُنْكَرِ عَدْلًا بِمَا يَنْهَى، أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
[الآمر بالمعروف يبدأ بنفسه]
((وَمَنْ نَهَى عَمَّا لَهُ قَدِ ارْتَكَبْ ... فَقَدْ أَتَى مِمَّا بِهِ يُقْضَى الْعَجَبْ))
((فَلَوْ بَدَا بِنَفْسِهِ فَذَادَهَا ... عَنْ غَيِّهَا لَكَانَ قَدْ أَفَادَهَا))
((وَمَنْ)) إِنَّ أَيَّ إِنْسَانٍ أَوِ الَّذِي ((نَهَى)) الْخَلْقَ ((عَمَّا)) أَيِ الشَّيْءِ الَّذِي ((لَهُ)) أَيْ لِذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي نَهَى النَّاسَ عَنْهُ ((قَدِ ارْتَكَبَ)) وَفَعَلَهُ وَخَالَفَ قَوْلُهُ عَمَلَهُ مِنْ فِعْلِ الْمَحْظُورِ وَتَرْكِ الْمَأْمُورِ، ((فَقَدْ)) وَاللَّهِ ((أَتَى)) مِنْ قَالِهِ وَحَالِهِ ((مِمَّا)) أَيْ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي ((بِهِ)) أَيْ مِنْهُ ((يُقْضَى)) بِانْبِنَائِهِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ ((الْعَجَبُ)) نَائِبُ الْفَاعِلِ، أَيْ يَقْضِي الْعُقَلَاءُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ وَالْحَزْمِ مِنْ مُخَالَفَةِ قَوْلِهِ لِعَمَلِهِ الْعَجَبَ، أَيْ يَحْكُمُونَ وَيَقْطَعُونَ بِالْعَجَبِ وَهُوَ إِنْكَارُ مَا يَرِدُ عَلَيْكَ وَيَخْفَى سَبَبُهُ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَعْظُمَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَيَكْبُرَ لَدَيْهِمْ أَنْ يَنْهَى عَنِ الْقَبِيحِ وَيَأْتِيَهُ وَيَأْمُرَ بِالْحَسَنِ وَلَا يَأْتِيَهُ، وَقَدْ وَرَدَ التَّحْذِيرُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ - أَيْ أَمْعَاؤُهُ وَمَعْنَى تَنْدَلِقُ أَيْ تَخْرُجُ - فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ فِي الرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ مَا لَكَ، أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلِيَ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِأَقْوَامٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ» ". وَرَوَى نَحْوَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا وَفِيهِ فَقَالَ: «الْخُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ» . وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute