وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مَا يَجِبُ لَهُ تَعَالَى مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَالْإِخْبَارِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ، أَخَذَ فِي ذِكْرِ مَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَقَالَ:
[الأوصاف المستحيلة في حق الله تعالى]
((وَيَسْتَحِيلُ الْجَهْلُ وَالْعَجْزُ كَمَا ... قَدِ اسْتَحَالَ الْمَوْتُ حَقًّا وَالْعَمَى))
((فَكُلُّ نَقْصٍ قَدْ تَعَالَى اللَّهُ ... عَنْهُ فَيَا بُشْرَى لِمَنْ وَالَاهُ))
((وَيَسْتَحِيلُ)) فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَضْدَادُ الصِّفَاتِ الَّتِي اتَّصَفَ بِهَا الْبَارِي جَلَّ شَأْنُهُ، وَالْمُسْتَحِيلُ هُوَ كَمَا مَرَّ مَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقْلِ ثُبُوتُهُ، فَمَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ ((الْجَهْلُ)) الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْعِلْمِ، ((وَالْعَجْزُ)) الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْقُدْرَةِ، ((كَمَا)) أَنَّهُ قَدِ ((اسْتَحَالَ)) فِي حَقِّهِ تَعَالَى ((الْمَوْتُ)) الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْحَيَاةِ، حَقَّ ذَلِكَ ((حَقًّا)) فَهُوَ مَصْدَرٌ ((وَ)) يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى ((الْعَمَى)) ، الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْبَصَرِ، وَكَذَا الصَّمَمُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ السَّمْعِ، وَالْبَكَمُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْكَلَامِ، وَالْفَنَاءُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْبَقَاءِ، وَالْعَدَمُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْوُجُودِ، وَالْفَقْرُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْغِنَى، وَالْمُمَاثَلَةُ لِلْحَوَادِثِ الْمَنْفِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ، فَهِيَ مِنَ الْمُسْتَحِيلَةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى، وَمَا نَفَاهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ فِي مُحْكَمِ الذِّكْرِ كَقَوْلِهِ ( {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]- {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: ٦٥]- {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل: ٧٤]- {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: ٢٢]- {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: ٣ - ٤]- {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الفرقان: ٢]- {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء: ١١١] ) وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالنَّفْيُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمَنْفِيِّ، وَالْعَدَمُ الْمَحْضُ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَصْلًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ كَمَالًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَمَالًا إِذَا اسْتَلْزَمَ أَمْرًا وُجُودِيًّا، فَلِهَذَا لَمْ يَصِفِ الرَّبُّ تَعَالَى نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنَ النَّفْيِ إِلَّا إِذَا تَضَمَّنَ ثُبُوتًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: ٢٥٥] فَقَوْلُهُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ يَتَضَمَّنُ كَمَالَ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ، فَإِنَّ النَّوْمَ أَخُو الْمَوْتِ، وَمَنْ تَأْخُذُهُ السِّنَةُ وَالنَّوْمُ لَا يَكُونُ قَيُّومًا دَائِمًا بِنَفْسِهِ، مُقِيمًا لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ السِّنَةَ وَالنَّوْمَ يُنَاقِضُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥] فَنَفْيُ شَفَاعَةِ أَحَدٍ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، يَتَضَمَّنُ كَمَالَ كَوْنِهِ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، لَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ شَرِيكٌ وَلَا ظَهِيرٌ، فَإِنَّ الشَّافِعَ إِذَا شَفَعَ عِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute