عَلَى عَيْنِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَرَادَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ تَحْقِيقَ إِثْبَاتِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ لِلَّهِ لِبَيَانِ مَحَلِّهِمَا مِنَ الْإِنْسَانِ، يُرِيدُ أَنَّ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا، لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعِلْمُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَأَشَارَ إِلَى الْقَلْبِ ; لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعِلْمِ. وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْجَارِحَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ الْمَخْلُوقِينَ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ قِدَمُ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ، كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ قِدَمُ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَقْدُورَاتِ ; لِأَنَّهَا صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ تَحْدُثُ لَهَا تَعَلُّقَاتٌ بِالْحَوَادِثِ.
[صفة الإرادة]
(الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ) : مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ (إِرَادَةٌ) بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْعَطْفِ عَلَى مَا مَرَّ، أَيْ وَيَجِبُ لَهُ - تَعَالَى - صِفَةُ الْإِرَادَةِ، وَيُرَادِفُهَا الْمَشِيئَةُ، وَهُمَا عِبَارَتَانِ عَنْ صِفَةٍ فِي الْحَيِّ، تُوجِبُ تَخْصِيصَ أَحَدِ الْمَقْدُورَيْنِ فِي أَحَدِ الْأَوْقَاتِ بِالْوُقُوعِ مَعَ اسْتِوَاءِ نِسْبَةِ الْقُدْرَةِ إِلَى الْكُلِّ، قَالَ عُلَمَاءُ الْكَلَامِ: نِسْبَةُ الضِّدَّيْنِ إِلَى الْقُدْرَةِ سَوَاءٌ، إِذْ كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ بِقُدْرَتِهِ - تَعَالَى - أَحَدُ الضِّدَّيْنِ، يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ بِهِ الضِّدُّ الْآخَرُ، وَنِسْبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى الْأَوْقَاتِ سَوَاءٌ، إِذْ كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِي وَقْتِهِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ، يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُخَصِّصٍ يُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَيُعَيِّنُ لَهُ وَقْتًا دُونَ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ، وَهَذَا الْمُخَصِّصُ هُوَ الْإِرَادَةُ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ بَاقِيَةٌ، إِذْ لَوْ كَانَتْ حَادِثَةً، لَزِمَ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، وَأَيْضًا لَا حَاجَةَ إِلَى إِرَادَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ ; لِأَنَّهُ - تَعَالَى - مُوجِدٌ لِكُلِّ مَا يُوجَدُ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ، وَلِأَنَّهُ - تَعَالَى - فَاعِلٌ بِالِاخْتِيَارِ، فَيَكُونُ مُرِيدًا لَهَا ; لِأَنَّ الْإِيجَادَ بِالِاخْتِيَارِ يَسْتَلْزِمُ إِرَادَةَ الْفَاعِلِ. وَيَأْتِي تَتِمَّةُ الْكَلَامِ عِنْدَ ذِكْرِ مُتَعَلِّقِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، تَعَالَى.
[صفة العلم]
(الصِّفَةُ السَّادِسَةُ) : مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ (وَ) يَجِبُ لَهُ - عَزَّ وَجَلَّ - (عِلْمٌ) ، أَيْ يَجِبُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ - تَعَالَى - عَالِمٌ بِعِلْمٍ وَاحِدٍ وُجُودِيٍّ قَدِيمٍ بَاقٍ ذَاتِيٍّ، يَنْكَشِفُ بِهِ الْمَعْلُومَاتُ عِنْدَ تَعَلُّقِهِ بِهَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّ عِلْمَهُ كَسَائِرِ صِفَاتِهِ - تَعَالَى - لِلرَّدِّ عَلَى الْحُكَمَاءِ الْقَائِلِينَ بِنَفْيِ الصِّفَاتِ وَإِثْبَاتِ غَايَتِهَا، وَلِلرَّدِّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute