للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ إِقَامَةِ إِمَامٍ فَنَصْبُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إِذْ فِي نَصْبِهِ جَلْبُ مَنَافِعَ لَا تُحْصَى وَدَفْعُ مَضَارٍّ لَا تُسْتَقْصَى، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ وَاجِبٌ، فَإِنَّ جَلْبَ الْمَنَافِعِ وَدَفْعَ الْمَضَارِّ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى نَصْبِ الْإِمَامِ تَكَادُ تَلْحَقُ بِالضَّرُورَاتِ بَلْ بِالْمُشَاهَدَاتِ بِشَهَادَةِ مَا تَرَاهُ مِنَ الْفِتَنِ وَالْفَسَادِ وَانْفِصَامِ أُمُورِ الْعِبَادِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنَ الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ، فَإِقَامَةُ الْإِمَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ، وَعِنْدَ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ عَقْلًا مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي الْحُسَيْنِ وَالْجَاحِظِ وَالْخَيَّاطِ وَالْكَعْبِيِّ فَبِالضَّرُورَةِ، وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الْخَوَارِجِ وَنَحْوِهِمْ فِي الْوُجُوبِ فَلَا اعْتِدَادَ بِهَا، لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ كَسَائِرِ الْمُبْتَدِعَةِ لَيْسَ قَادِحٌ فِي الْإِجْمَاعِ وَلَا يُخِلُّ بِمَا يُفِيدُهُ مِنَ الْقَطْعِ بِالْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ.

وَدَعْوَى أَنَّ فِي نَصْبِهِ ضَرَرًا مِنْ حَيْثُ إِلْزَامُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ فِيهِ إِضْرَارٌ بِهِ فَيُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَةِ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ مِنْ نَحْوِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ، فَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ أَضَرَّ بِالنَّاسِ وَإِنْ عُزِلَ أَدَّى إِلَى مُحَارَبَةٍ وَفِيهَا ضَرَرٌ بَاطِلَةٌ لَا يَنْظَرُ إِلَيْهَا لِأَنَّ الْإِضْرَارَ اللَّازِمَ مِنْ تَرْكِ نَصْبِهِ أَعْظَمُ وَأَقْبَحُ، بَلْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا اجْتَمَعَ ضَرَرَانِ دُفِعَ أَعْظَمُهُمَا بِأَخَفِّهِمَا وُجُوبًا، وَفَرْضُ انْتِظَامِ النَّاسِ بِدُونِ إِمَامٍ مُحَالٌ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ.

[أوجه تولي الإمامة وشروطه]

((وَنَصْبُهُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ... وَقَهْرِهِ فَحُلْ عَنِ الْخِدَاعِ))

((وَشَرْطُهُ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّهْ ... عَدَالَةٌ سَمِعٌ مَعَ الدَّرِيَّهْ))

((وَأَنْ يَكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عَالِمَا ... مُكَلَّفًا ذَا خِبْرَةٍ وَحَاكِمَا))

((وَ)) يَثْبُتُ ((نَصْبُهُ)) أَيِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ((بِالنَّصِّ)) مِنَ الْإِمَامِ عَلَى اسْتِخْلَافِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهَا، بِأَنْ يَعْهَدَ الْإِمَامُ إِلَى إِنْسَانٍ يَنُصُّ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إِلَى مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِالْخِلَافَةِ إِلَى عُمَرَ الْفَارُوقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ((وَ)) يَثْبُتُ نَصْبُهُ أَيْضًا بِـ ((الْإِجْمَاعِ)) مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَإِمَامَةِ الصِّدِّيقِ الْأَعْظَمِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا بَايَعَهُ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ الَّذِينَ هُمْ بِصِفَةِ الشُّهُودِ مِنَ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا ثَبَتَتْ إِمَامَتُهُ، وَكَذَا فِي جَعْلِ الْأَمْرِ شُورَى فِي عَدَدٍ مَحْصُورٍ لِيَتَّفِقَ أَهْلُ الْبَيْعَةِ عَلَى أَحَدِهِمْ، فَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَارَ إِمَامًا

<<  <  ج: ص:  >  >>