الْإِشَاعَةِ فَثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ النَّارَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قُلْتُ وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فَصَلٌ فِي أَمْرِ الْمَعَادِ]
[الْمَعَادَ الْجُسْمَانِيَّ حَقٌّ وَاقِعٌ وَصِدْقٌ صَادِقٌ دَلَّ عَلَيْهِ النَّقْلُ الصَّحِيحُ]
((فَصَلٌ فِي أَمْرِ الْمَعَادِ))
اعْلَمْ أَنَّ الْمَعَادَ الْجُسْمَانِيَّ حَقٌّ وَاقِعٌ وَصِدْقٌ صَادِقٌ دَلَّ عَلَيْهِ النَّقْلُ الصَّحِيحُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْعَقْلُ فَوَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ، وَالتَّصْدِيقُ بِمُوجِبِهِ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي السَّمَاعِ الصَّحِيحِ الْمَنْقُولِ وَدَلَّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ صَرِيحُ الْمَعْقُولِ، وَهُوَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَوْتَى مِنَ الْقُبُورِ بِأَنْ يَجْمَعَ أَجَزَاءَهُمُ الْأَصْلِيَّةَ وَيُعِيدَ الْأَرْوَاحَ إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: ٧٩] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ السَّاطِعَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ الطَّبَائِعِيُّونَ وَالدَّهْرِيَّةُ وَالْمُلْحِدَةُ وَفِيهِ تَكْذِيبٌ لِلنَّقْلِ الصَّرِيحِ وَالْعَقْلِ الصَّحِيحِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ.
وَأَنْكَرَتِ الْفَلَاسِفَةُ الْمَعَادَ الْجُسْمَانِيَّ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ إِعَادَةِ الْمَعْدُومِ بِعَيْنِهِ، وَوَافَقَ الْمُعْتَزِلَةُ أَهْلَ الْحَقِّ عَلَى الْمَعَادِ الْجُسْمَانِيِّ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ فَلَوْ لَمْ يَقُولُوا بِهِ لَأَحَالُوهُ ; لِأَنَّ الْمَعْدُومَ قَبْلَ الْوُجُودِ عِنْدَهُمْ قَابِلٌ لِلْوُجُودِ فَكَذَلِكَ إِذَا انْعَدَمَ بَعْدَ الْوُجُودِ، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمَعْدُومُ نَفْيٌ مَحْضٌ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ قَائِلُونَ بِجَوَازِ إِعَادَتِهِ.
وَلِلْمُتَكَلِّمِينَ فِي جَوَازِ إِعَادَةِ الْأَعْرَاضِ قَوْلَانِ: جَوَازُ إِعَادَتِهَا وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَالثَّانِي قَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ، وَالْخَوَارِزْمِيِّ، وَالْكَرَامِيَّةِ قَالَ:
((وَاجْزِمْ بِأَمْرِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ ... وَالْحَشْرِ جَزْمًا بَعْدَ نَفْخِ الصُّورِ))
((وَاجْزِمْ)) جَزْمَ إِيقَانٍ وَإِذْعَانٍ وَاعْتِقَادٍ وَعِرْفَانٍ ((بِأَمْرِ الْبَعْثِ)) بَعْدَ الْمَوْتِ ((وَالنُّشُورِ)) مِنَ الْقُبُورِ ((وَالْحَشْرِ)) لِأَجْلِ الْجَزَاءِ وَفَصْلِ الْقَضَاءِ ((جَزْمًا)) مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِقَوْلِهِ وَاجْزِمْ وَذَلِكَ كُلُّهُ وَاقِعٌ ((بَعْدَ نَفْخِ الصُّورِ)) الْمُرَادُ نَفْخَةُ الْبَعْثِ وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ، الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ وَالْحَشْرُ وَالنَّفْخُ فِي الصُّورِ، أَمَّا الْبَعْثُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعَادُ الْجُسْمَانِيُّ فَإِنَّهُ الْمُتَبَادِرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إِذْ هُوَ الَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَيُكَفَّرُ مُنْكِرُهُ، قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الرُّوحُ كَشَيْخِهِ وَغَيْرِهِمَا: مَعَادُ الْأَبْدَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute