الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيِّ - رَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَلَيْسَ هُوَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ - قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: كَيْفَ يُشْرَحُ صَدْرُهُ لِلْإِسْلَامِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ " نُورٌ يُقْذَفُ فِيهِ فَيَنْشَرِحُ لَهُ وَيَنْفَسِحُ "، قَالُوا فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ أَمَارَاتٍ يُعْرَفُ بِهَا؟ قَالَ " الْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ لِقَاءِ الْمَوْتِ» "
قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: مُرْسَلٌ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مُتَّصِلَةٌ وَمُرْسَلَةٌ يَرْتَقِي بِهَا إِلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ أَوِ الْحُسْنِ.
وَكَمَا كَانَ قَذْفُ النُّورِ فِي الْقَلْبِ مُوجِبًا لِانْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَانْفِسَاحِ الْقَلْبِ، كَانَ قَذْفُهُ مُسْتَلْزِمًا لِجَعْلِ النَّفْسِ قَابِلَةً لِلْحَقِّ مُهَيَّأَةً لِحُلُولِهِ فِيهَا مُصَفَّاةً عَمَّا يَمْنَعُهُ وَيُنَافِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ ثَمَّ اسْتِدْلَالٌ أَوْ لَا، وَكُلَّمَا تَصَفَّتْ مِنْ كُدُورَاتِهَا، وَاتَّصَفَتْ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ، كَانَ قُبُولُهَا لِلْعَقَائِدِ الْخَفِيَّةِ أَشَدَّ، وَإِذْعَانُهَا لَهَا أَحْرَى لِكَوْنِ ذَلِكَ النُّورِ الْمَقْذُوفِ فِي الْقَلْبِ كَاشِفًا لِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ عَنْ صِدْقِ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنَ الْعَقَائِدِ كَشْفًا يَحْمِلُهُ عَلَى الْإِذْعَانِ وَالِانْقِيَادِ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ وَحُسْنِ الِاعْتِقَادِ، بِحَيْثُ يَصِيرُ ضَرُورِيًّا حَتَّى لَوْ رَامَ الِانْفِكَاكَ عَنْهُ، لَمْ يَجِدْ لَهُ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَظَرٌ وَلَا اسْتِدْلَالٌ.
[التنبيه الثالث ما نقل عن أبو الحسن الأشعري في إيمان المقلد]
(الثَّالِثُ) قَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ انْبِنَاءِ الِاعْتِقَادِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنَ الْأُصُولِ عَلَى دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ الِاقْتِدَارُ عَلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُ، وَعَلَى مُجَادَلَةِ الْخُصُومِ، وَدَفْعِ الشُّبَهِ، قَالَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي (شَرْحِ الْمَقَاصِدِ) : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ حَتَّى حُكِيَ عَنْهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا. انْتَهَى.
قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: وَعَنِ الْأَشْعَرِيِّ لَا يَصِحُّ إِيمَانُ الْمُقَلِّدِ. قَالَ شَارِحُهُ: وَشَنَّعَ عَلَيْهِ أَقْوَامٌ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَكْفِيرُ الْعَوَامِّ، وَهُمْ غَالِبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ.
قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ التَّقْلِيدُ أَخْذًا لِقَوْلِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ مَعَ احْتِمَالٍ شَكٍّ أَوْ وَهْمٍ بِأَنْ لَا يَجْزِمَ بِهِ، فَلَا يَكْفِي إِيمَانُ الْمُقَلِّدِ قَطْعًا، لِأَنَّهُ لَا إِيمَانَ مَعَ أَدْنَى تَرَدُّدٍ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ التَّقْلِيدُ أَخْذًا لِقَوْلِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لَكِنْ جَزْمًا فَيَكْفِي إِيمَانُ الْمُقَلِّدِ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute