للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبَ الثُّبُوتِ لَهُمْ وَلَا وَاجِبَ النَّفْيِ عَنْهُمْ، فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ جَائِزٌ فِي حَقِّهِمْ، لَكِنَّهُ نَبَّهَ بِمَا ذَكَرَهُ لِإِيضَاحِ قِسْمِ الْجَائِزِ عَلَيْهِمْ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - ((النَّوْمُ)) وَهُوَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ، لِتَسْتَرِيحَ أَبْدَانُهُمْ عِنْدَ تَعَبِهِمْ، وَهُوَ غَشْيَةٌ ثَقِيلَةٌ تَقَعُ عَلَى الْقَلْبِ تَمْنَعُ الْمَعْرِفَةَ بِالْأَشْيَاءِ، لَكِنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، بَلْ قَلْبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَبَدًا مُسْتَيْقِظًا مُتَهَيِّئًا لِإِدْرَاكِ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، وَمِثْلُ النَّوْمِ مِمَّا هُوَ جَائِزٌ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - الْجُلُوسُ وَالْمَشْيُ وَالْبُكَاءُ وَالضَّحِكُ، وَكُلُّ مَا هُوَ مِنَ الْخَوَاصِّ الْبَشَرِيَّةِ الْمُبَاحَةِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ جَوَازِ وُقُوعِ الْمُبَاحِ مِنْهُمْ، ((وَالنِّكَاحُ)) وَالتَّسَرِّي وَجِمَاعُ النِّسَاءِ، فَيَجُوزُ عَلَيْهِمْ وَطْءُ النِّسَاءِ بِالْمِلْكِ بِشَرْطِ كَوْنِهِنَّ مُسْلِمَاتٍ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ((مِثْلُ الْأَكْلِ)) وَالشُّرْبِ الْحَلَالِ، وَكَذَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ كُلُّ عَرَضٍ بَشَرِيٍّ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَلَا مُبَاحٍ مُزْرٍ، وَلَا مِمَّا تَعَافُهُ الْأَنْفُسُ، وَلَا مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى النَّفْرَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الِاحْتِلَامُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الْبَشَرِ، وَأُرْسِلُوا إِلَى الْبَشَرِ، فَظَوَاهِرُهُمْ خَالِصَةٌ لِلْبَشَرِ، يَجُوزُ عَلَيْهَا مِنَ الْآفَاتِ وَالتَّغْيِيرَاتِ وَالْآلَامِ وَالْأَسْقَامِ وَتَجَرُّعِ كَأْسِ الْحِمَامِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْبَشَرِ مِمَّا لَا نَقِيصَةَ فِيهِ، فَإِنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْرَضُ وَيَتَأَلَّمُ وَيَتَشَكَّى، وَكَانَ يُصِيبُهُ الْحَرُّ وَالْقُرُّ وَالْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَالْغَضَبُ وَالضَّجَرُ وَالنَّصَبُ وَالتَّعَبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا نَقْصَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا يُوجِبُ الِاتِّصَافُ بِهِ نَوْعَ نُفْرَةٍ عِنْدَ كُلِّ نَبِيهٍ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ ذِكْرِ فضل الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ]

[أبو بكر الصديق]

((فَصْلٌ)) فِي ذِكْرِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -

اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ بَقِيَّةَ أُولِي الْعَزْمِ، ثُمَّ الرُّسُلَ، ثُمَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ الْبَشَرِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي التَّفَاضُلِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ - أَعْقَبَ ذِكْرَ الْأَنْبِيَاءِ بِالصَّحَابَةِ حَسَبَ اصْطِلَاحِ أَصْحَابِنَا وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَبَدَأَ بِأَفْضَلِهِمِ الْإِمَامُ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَخَلِيفَةُ رَسُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>