للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّفَاصِيلِ وَعَنْ مَعْرِفَةِ وَإِنْكَارِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَيَأْتِيهِ التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ عَلَى قَلْبٍ سَاذَجٍ، وَأَمَّا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْعِبَادَةِ فَيَقُومُ بِقُلُوبِهِمْ مِنَ التَّفْصِيلِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ تُخَالِفُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّهَا تُخَالِفُ، فَإِذَا عَرَفُوا رَجَعُوا، وَكُلُّ مَنِ ابْتَدَعَ فِي الدِّينِ قَوْلًا أَخْطَأَ فِيهِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالرَّسُولِ، أَوْ عَمِلَ عَمَلًا أَخَطَأَ فِيهِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالرَّسُولِ، لَوْ عَرَفَ مَا قَالَهُ وَآمَنَ بِهِ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَكُلُّ مُبْتَدِعٍ قَصْدُهُ مُتَابَعَةُ الرَّسُولِ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَمَنْ عَلِمَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَعَمِلَ بِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ أَخْطَأَ ذَلِكَ، وَمِنْ عَلِمَ الصَّوَابَ بَعْدَ الْخَطَأِ وَعَمِلَ بِهِ فَهُوَ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.

[مذهب السلف الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ]

إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَجُلَّ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ، قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَلَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ، قَالَ: وَالْإِيمَانُ عِنْدَهُمْ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَالطَّاعَاتُ كُلُّهَا عِنْدَهُمْ إِيمَانٌ إِلَّا مَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الطَّاعَاتِ لَا تُسَمَّى إِيمَانًا، قَالُوا: إِنَّمَا الْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ، وَالْإِقْرَارُ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ الْمَعْرِفَةَ - وَذَكَرَ مَا احْتَجُّوا بِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا سَائِرُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْآثَارِ بِالْحِجَازِ، وَالْعِرَاقِ، وَالشَّامِ وَمِصْرَ، مِنْهُمْ: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالطَّبَرِيُّ، وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ قَالُوا: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ، وَاعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ مَعَ الْإِخْلَاصِ بِالنِّيَّةِ الصَّادِقَةِ، وَقَالُوا: كُلُّ مَا يُطَاعُ اللَّهُ بِهِ مِنْ فَرِيضَةٍ وَنَافِلَةٍ فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ، قَالُوا: وَالْإِيمَانُ يَزِيدُ بِالطَّاعَاتِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعَاصِي، قَالَ، وَأَهْلُ الذُّنُوبِ عِنْدَهُمْ مُؤْمِنُونَ غَيْرُ مُسْتَكْمِلِي الْإِيمَانِ مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّمَا صَارُوا نَاقِصِي الْإِيمَانِ بِارْتِكَابِهِمُ الْكَبَائِرَ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» " الْحَدِيثَ، يُرِيدُ مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ جَمِيعِ الْإِيمَانِ عَنْ فَاعِلِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَوْرِيثِ الزَّانِي وَالسَّارِقِ وَشَارِبِ الْخَمْرِ إِذَا صَلَّوْا إِلَى الْقِبْلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>