وَقَتَلَةِ الْأَنْفُسِ وَأَكَلَةِ الرِّبَا، وَأَهْلِ السَّرِقَةِ وَالْغُصُوبِ إِذَا مَاتُوا عَلَى غَيْرِ تَوْبَةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِ الْوَعِيدِ فِي كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ لَا لِفَرْدٍ مُعَيَّنٍ لِجَوَازِ الْعَفْوِ، وَأَقَلُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ نُفُوذُ الْوَعِيدِ وَاحِدٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، وَالْأَدِلَّةُ قَاضِيَةٌ بِقَصْرِ الْعُصَاةِ عَلَى عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ، وَقَدْ رَتَّبَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ امْتِنَاعَ سُؤَالِ الْعَفْوِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لِمُنَافَاتِهِ لِذَلِكَ، وَهَذَا سَاقِطٌ، إِلَّا إِذَا قَصَدَ الْعَفْوَ ابْتِدَاءً لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ، عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ يَصْدُقُ بِمَا بَعْدَ الْعَذَابِ وَالتَّعْذِيبِ، فَمَنْ قَالَ بِمَنْعِ الْمَنْعِ فَهُوَ الْمُصِيبُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَنْ قِيلَ بِعَدَمِ قَبُولِ إِسْلَامِهِ مِنْ طَوَائِفِ أَهْلِ الْعِنَادِ وَالزَّنْدَقَةِ وَالْإِلْحَادِ]
اعْلَمْ - وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ - أَنَّ عُلَمَاءَنَا ذَكَرُوا تَحَتُّمَ قَتْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الزَّنَادِقَةِ وَأَهْلِ الْإِلْحَادِ ; لِعَدَمِ قَبُولِ إِسْلَامِهِمْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ كَالزِّنْدِيقِ، وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، أَوْ كَفَرَ بِسِحْرِهِ، أَوْ سَبِّ اللَّهِ، أَوْ رَسُولِهِ، أَوْ تَنَقُّصِهِ، وَأَمَّا حُكْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنْ صَدَقُوا قُبِلَ بِلَا خِلَافٍ، وَعَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ أَنَّ تَوْبَتَهُمْ تُقْبَلُ كَغَيْرِهِمْ وَهَذَا الَّذِي نَخْتَارُهُ ; وَلِهَذَا قَالَ:
((وَقِيلَ فِي الدُّرُوزِ وَالزَّنَادِقَةِ ... وَسَائِرِ الطَّوَائِفِ الْمُنَافِقَةِ))
((وَكُلِّ دَاعٍ لِابْتِدَاعٍ يَقْتُلُ ... كَمَنْ تَكَرَّرَ نَكْثُهُ لَا يُقْبَلُ))
((لِأَنَّهُ لَمْ يَبْدُ مِنْ إِيمَانِهِ ... إِلَّا الَّذِي أَذَاعَ مِنْ لِسَانِهِ))
((كَمُلْحِدٍ وَسَاحِرٍ وَسَاحِرَةْ ... وَهُمْ عَلَى نِيَّاتِهِمْ فِي الْآخِرَةْ))
((قُلْتُ وَإِنْ دَلَّتْ دَلَائِلُ الْهُدَى ... كَمَا جَرَى لِلْعَيْلَبُونِيِّ اهْتَدَى))
((فَإِنَّهُ أَذَاعَ مِنْ أَسْرَارِهِمْ ... مَا كَانَ فِيهِ الْهَتْكُ عَنْ أَسْتَارِهِمْ))
((وَكَانَ لِلدِّينِ الْقَوِيمِ نَاصِرَا ... فَصَارَ مِنَّا بَاطِنًا وَظَاهِرَا))
((فَكُلُّ زِنْدِيقٍ وَكُلُّ مَارِقِ ... وَجَاحِدٍ وَمُلْحِدٍ مُنَافِقِ))
((إِذَا اسْتَبَانَ نُصْحُهُ لِلدِّينِ ... فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عَنْ يَقِينِ))
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute