إِشْكَالَ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى صَعْقَةِ الْمَوْتِ عِنْدَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ فَيَكُونُ ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مُرَادًا بِهِ أَوَائِلُهُ فَالْمَعْنَى إِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةُ الْبَعْثِ كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ.
قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَدَّدَ هَلْ أَفَاقَ مُوسَى قَبْلَهُ أَوْ لَمْ يُصْعَقْ. بَلْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ، فَالْمَعْنَى لَا أَدْرِي أَصُعِقَ أَمْ لَمْ يُصْعَقْ، وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: " «فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ» "، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْعَقُ فِيمَنْ يُصْعَقُ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الصَّعْقَةُ الْأُولَى وَهِيَ صَعْقَةُ الْمَوْتِ لَكَانَ قَدْ جَزَمَ بِمَوْتِهِ وَتَرَدَّدَ هَلْ مَاتَ مُوسَى أَوْ لَمْ يَمُتْ، وَهَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، فَعُلِمَ أَنَّهَا صَعْقَةُ فَزَعٍ لَا صَعْقَةُ مَوْتٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ تَمُوتُ عِنْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى، نَعَمْ تَدُلُّ عَلَى مَوْتِ الْخَلَائِقِ عِنْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَذُقِ الْمَوْتَ قَبْلَهَا فَإِنَّهُ يَذُوقُهُ حِينَئِذٍ وَأَمَّا مَنْ ذَاقَ الْمَوْتَ أَوْ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ يَمُوتُ مَوْتَةً ثَانِيَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[خَلْقِ الْأَرْوَاحِ هَلْ كَانَ قَبْلَ خَلْقِ الْأَجْسَادِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا]
(تَتِمَّةٌ)
(فِي مَسَائِلَ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ أَمْرِ الرُّوحِ)
(الْأُولَى) اخْتُلِفَ فِي خَلْقِ الْأَرْوَاحِ هَلْ كَانَ قَبْلَ خَلْقِ الْأَجْسَادِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا؟ فَلِلنَّاسِ فِيهَا قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ حَكَاهُمَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَتِلْمِيذُهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَغَيْرُهُمَا وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى تَقَدُّمِ خَلْقِ الْأَرْوَاحِ عَلَى الْأَجْسَادِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ بَلْ حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ إِجْمَاعًا، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ بِحُجَجٍ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} [الأعراف: ١١] وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَالْمُهْلَةِ فَقَدْ تَضَمَّنَتِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَنَّ خَلْقَنَا مُقَدَّمٌ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ وَمِنَ الْمَعْلُومِ قَطْعًا أَنَّ أَبْدَانَنَا حَادِثَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّهَا الْأَرْوَاحُ، قَالُوا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢] وَهَذَا الِاسْتِنْطَاقُ وَالْإِشْهَادُ إِنَّمَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute