للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: بَلْ كَلَامِي يَا مُوسَى. كَمَا فِي الْخَبَرِ.

قَالَ: وَجَاءَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالُوا: يَا مُوسَى، بِمَا شَبَّهْتَ صَوْتَ رَبِّكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَا شَبَهَ لَهُ.

قَالَ وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا كَلَّمَهُ رَبُّهُ ثُمَّ سَمِعَ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ مَقَتَهُمْ؛ لِمَا وَقَرَ فِي مَسَامِعِهِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْإِمَامُ الْمُوَفَّقُ، وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ وَنَحْوُهَا، لَمْ تَزَلْ مُتَدَاوَلَةً بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ يَرْوِيهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ لَمْ يُنْكِرْهَا مُنْكِرٌ فَيَكُونُ اجْتِمَاعًا. كَذَا قَالَ.

[إعجاز القرآن]

وَلَمَّا بَيَّنَ النَّاظِمُ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَى النَّبِيِّ الْكَرِيمِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، وَأَثْبَتَ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ قَدِيمٌ، أَعْقَبَ ذَلِكَ بِبَعْضِ نُعُوتِ هَذَا الْكَلَامِ الْمُنَزَّلِ عَلَى النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ.

فَقَالَ ((أَعْيَا)) أَيْ أَعْجَزَ ((الْوَرَى)) أَيْ جَمِيعَ الْخَلْقِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْوَرَى كَفَتَى: الْخَلْقُ ((بِالنَّصِّ)) الْقُرْآنِيِّ وَالتَّنْزِيلِ الرَّحْمَانِيِّ ((يَا عَلِيمُ)) أَيْ يَا عَالِمُ ((يَعْنِي)) الْمُبَالِغَ فِي الْعِلْمِ، فَإِنَّ الْعَلِيمَ صِفَةُ مُبَالَغَةٍ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ قَالَ تَعَالَى {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: ٨٨] .

فَتَحَدَّى الْخَلْقَ بِالْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ، وَقَالَ تَعَالَى {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: ٣٣] .

فَلَمَّا عَجَزُوا عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ تَحَدَّاهُمْ بِعَشْرِ سُوَرٍ فَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: ١٣] .

فَلَمَّا عَجَزُوا تَحَدَّاهُمْ بِالْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ تَعَالَى قُلْ فَأَتَوْنَا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أَيْ مِنْ مِثْلِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فَعَجَزُوا، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ - فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: ٣٣ - ٣٤] غَايَةُ التَّحَدِّي وَالتَّبْكِيتِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَالتَّنْكِيتِ أَيْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقَوَّلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ.

فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَادِرًا عَلَى أَنَّ يَتَقَوَّلَهُ كَمَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَظْمٍ وَنَثْرٍ كَانَ هَذَا مُمْكِنًا لِلنَّاسِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جِنْسِهِ، فَيُمْكِنُ لِلنَّاسِ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، وَلَمَّا تَحَدَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ فِي قَوْلِهِ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مَنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَعْدَ أَنْ تَحَدَّاهُمْ بِالْإِتْيَانِ بِعَشْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>